المحروسة تحرُسنا

المحروسة تحرُسنا

03 أكتوبر 2019
+ الخط -
(1)
لو تركْنا مصر، عربا ومسلمين، لما تركتنا، فما يجري فيها يلقي بظلاله على كل الخريطة العربية والإسلامية، شأنها في هذا شأن فلسطين، فهي باروميتر الحالة العربية، فإن كانت بخير فالأمة بخير، وإلا فلا.
مصر "المحروسة" ليست للمصريين، فهي تحرس أحلام الأمة كلها، وتمدّها بنسغ الكرامة والكبرياء والفن والأصالة والعلم. وحينما تنسلخ عن محيطها، أو يصيبها مكروه، أو تتقوقع على نفسها، ندخل جميعا في الفوضى غير الخلاقة، ويتطاول في البنيان الأقزام، وتخرج الفئران في غيابها من جحورها، ويتصدّر مشهد الزعامة حتى من لا يستحق الجلوس قرب الباب، فما بالك في صدر المجلس؟
في غياب المحروسة، نغدو بلا حرّاس، ويستبيحنا الغرباء والغربان، ويستقوي منافقونا بالعدو، ويتمسّحون بأعتابه، ويتباهون بخدمته، ولم يكونوا ليرتكبوا موبقاتهم هذه ومصر تحرس الكرامة والكبرياء القومي. ولهذا كانت على الدوام هدفا لأعداء الأمة، وساحة عمليات لهم، فهي يجب أن تبقى جائعةً لاهثة، لا تهدأ ولا تستقر، ويجب أن يحكمها "قادة" كلهم من خريجي تنظيم عسكري واحد، وكلهم على غير وفاقٍ مع دين الأمة، وهذا سرٌّ غريبٌ عجيب، قلّما استوقف أحدا، وحينما أفلت أحد هؤلاء الحكام من قبضة التنظيم العسكري إياه، كان مصيره الانقلاب والموت سجنا، أو السجن حتى الموت.
(2)
لا أميل كثيرا للنبش في أصول الناس، وحواضنهم وهم أطفال، وأصول زوجاتهم، وأمهاتهم، ومدى التزام هؤلاء بقيم وتراث وثقافة وحضارة الأمة التي يحكمونها، ولكنني أنظر إلى ما تفعله أيدي هؤلاء، ومنجزاتهم. وهنا تحديدا لا أريد أن "أنبش" في قبور من حكموا مصر منذ محمد علي، وكلهم عسكر (باستثناء الرئيس المنتخب المرحوم محمد مرسي)، ولكن الأمر يستحق التساؤل، حينما يتعلق الأمر بحاكم يتحدث عنه اليهود كما يتحدثون عن أحد حاخاماتهم المكرمين "الأخيار!"، (هل رأيتم ذلك الحاخام وهو "يصلّي" لإفشال مظاهرات أبناء المحروسة الأخيرة وإنقاذ الدكتاتور؟) وقد اعترف هو، في إحدى مقابلاته، بأنه كان يتردّد على المعبد اليهودي في حارة اليهود. ننحّي هذا جانبا، ونتوقف عند حجم "الفزع" الذي ضرب كيان العدو الصهيوني، بعد أن اهتز عرشه أخيرا، وبدا أنه قريب من السقوط، إن لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد.
• منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، أصدرت مراكز التفكير الإسرائيلية عشرات الدراسات التي 
ناقشت آليات تأمين الشرعية لنظامه، إلى جانب رصد أنماط توظيفه لخدمة المصالح الصهيونية، وكان هناك دور لافت في هذا المجال لمركز يروشليم الذي يديره دوري غولد، المستشار السابق لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، وهو القائل، حينما كان وكيلا لوزارة الخارجية الإسرائيلية: اتفقنا مع نظام السيسي على وضع استراتيجية موحدة وتشكيل فرق عمل مشتركة لتنسيق سياسات الطرفين تجاه التحولات في المنطقة، وتحديدا تجاه خطر الإسلام المتطرّف.
• بعيْد الانقلاب، كشفت صحيفة معاريف أن نتنياهو أجرى اتصالاتٍ مع كل قادة أوروبا الغربية، لحثهم على دعم قائد الانقلاب، وإقناعهم بأن الانقلاب سيخدم بالأساس مصالح الغرب وإسرائيل، وأن السماح بنجاح ثورة يناير سيؤذن بإحداث تحولاتٍ إقليمية ستهدّد بشكل خطير هذه المصالح.
• ديفيد عفري، القائد الأسبق لسلاح الجو الصهيوني: صعود السيسي حسّن من قدرة إسرائيل على استغلال التحولات التي طرأت في العالم العربي وتوظيفها، ومنحها مزيدا من الفرص في التعاطي مع البيئة الإقليمية بما يخدم مصالحها.
• حاول السيسي تقديم خدمة كبيرة لإسرائيل، عندما أمر في ديسمبر/ كانون الأول 2016 مندوبه في الأمم المتحدة بسحب مشروع قرار مجلس الأمن 2334 الذي يدين الاستيطان اليهودي، ولم يمرّر القرار إلا بعد أن قدمته أربع دول غير عربية على الرغم من أنف المحاولة الفاشلة.
• القاسم المشترك بين الحاخام يوئيل بن نون، إحدى أهم المرجعيات الدينية في إسرائيل والجنرال عاموس جلعاد، مسؤول تنسيق العلاقة مع مصر أن كلا منهما وصف الانقلاب بأنه أكبر معجزة حدثت لإسرائيل.
• رئيس الموساد الأسبق شفطاي شفيط: في حال حطم المصريون مجدّدا حاجز الخوف، فإنهم سيحطمون عندها النظام الإقليمي برمته، وسيحدثون تحولاتٍ بالغة السوء والتعقيد على بيئة إسرائيل الاستراتيجية بشكل يهدّد كل الإنجازات التي راكمتها تل أبيب منذ صعود السيسي.
ألا يحق لنا، بعد كل ما سبق، أن نقول إن المحروسة تحرسنا، وإن كل حنجرة تهتف بالحرية ورحيل الدكتاتور عن مصر إنما هي تدافع عن مستقبل أمتنا جمعاء؟