"نبع السلام" بين واشنطن وأنقرة

"نبع السلام" بين واشنطن وأنقرة

18 أكتوبر 2019
+ الخط -
حرصت تركيا على أن تبدي الولايات المتحدة وروسيا تفهما للعملية العسكرية التي بدأتها في التاسع من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، وعكست التصريحات التي صدرت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما يتجاوز التفهم من هاتين الدولتين إلى إعطاء الضوء الأخضر الصريح للعملية. وعلى الرغم من صدور مواقف من واشنطن ذات طابع حاد، مثل العقوبات التي تم فرضها ضد مسؤولين أتراك، بعد أسبوع على العملية، فإن الولايات المتحدة لم تكن في وارد ممارسة أقصى الضغوط على تركيا لوقف العملية، حتى بدا للمتابعين أن موقف الإدارة الأميركية الفعلي أجاز لأنقرة التوغل داخل الأراضي السورية إلى حدود 30 كلم وطول حوالي 160 كلم، وهذا ما سمّته تركيا المرحلة الأولى من العملية بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة وراس العين في ريف الحسكة. 
وقبل أن تقرّر الإدارة الأميركية إرسال وفد رفيع المستوى إلى أنقرة، من أجل الضغط لوقف العملية، لم يكن الموقف الأميركي على الدرجة الكافية من الوضوح، وهذا ما تم رصده في تغريدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتصريحاته، خلال الأيام الثلاثة الأولى للعملية، والتي عبّر فيها صراحةً عن إعطاء ضوء أخضر للعملية العسكرية التركية ضد "قسد"، في حين أن دوائر أميركية مؤثرة اعتبرت ذلك تخليا عن الحلفاء الأكراد. ومع أن ترامب أراد أن يموّه الموقف الأميركي، إلا أنه مارس عمليا رفع مظلة الحماية عن "قسد" التي شكلتها الولايات المتحدة وسلّحتها ودرّبتها، وخاضت بها معركة القضاء على تنظيم داعش. وهذا ما أثار شكوكا كثيرة أن هناك تفاهمات غير معلنة بين أنقرة وواشنطن على العملية، تسمح للقوات التركية بالتوغل داخل الأراضي السورية، من أجل تحقيق أهداف محددة، تختص بالاعتبارات الأمنية التركية. ومن هنا، يمكن فهم موضوع الانسحاب الأميركي من منبج على حقيقته. وخلافا لما صدر من تصريحات أميركية بسحب ألف جندي أميركي من سورية، فإن ما حصل هو إعادة نشر شملت سحب القوات التي كانت توجد قريبا من أرض المعارك، ونقلها باتجاه العمق إلى القاعدة العسكرية الأميركية في حقل العمر بريف دير الزور.
يبدو من الأجواء التي رافقت زيارة الوفد الأميركي أن التفاهم الأميركي التركي ليس في منأىً عن الهزات، وسوف يتعرّض للصدمات التي يتوقف تأثيرها على التطوّرات الميدانية. وهنا يجب التنويه إلى أن واشنطن كانت تضع في حسابها عدة محاذير على تركيا أن لا تتجاوزها. أولها مدى عمق العملية وطولها. وثانيها ألّا تقترب من المناطق ذات الكثافة الكردية المكتظة بالسكان، الأمر الذي يؤدي إلى حركة نزوحٍ تنعكس سلبا على سير العملية. والاعتبار الثالث قدرة تركيا على إنجاز العملية العسكرية في أسرع وقت ممكن. وتضغط الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه، وكان إرسال الوفد، برئاسة مايك بنس نائب الرئيس، إلى أنقرة يوم الأربعاء الماضي من أجل التوصل إلى تفاهمات جديدة تتماشى مع الضغوط الداخلية التي تعرّضت لها الإدارة الأميركية من الحزب الديمقراطي.
وهناك أمر على درجة كبيرة من الأهمية، يتعلق بالدور الذي تلعبه روسيا تجاه هذه العملية. وهنا يبدو واضحا أن هناك توافقا روسيا تركيا يفوق، في درجته، التفاهم التركي الأميركي. وما يهم روسيا هنا أن تفتح باب الحوار بين أنقرة ودمشق من موقع أنها تستطيع أن تقدم لتركيا ضمانات على أساس اتفاق أضنة، في حال عاد النظام إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. والأمر الثاني الذي تعمل له موسكو أن تنسحب أميركا من سورية، ويصبح الباب مفتوحا كي تحل قوات روسيا والنظام مكانها.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد