كانوا جديرين بنوبل

كانوا جديرين بنوبل

18 أكتوبر 2019
+ الخط -
لا صلة للعنوان أعلاه بموسم إعلان الفائزين بجائزة نوبل في أفرعها الستة للعام الحالي، والذي اختتم يوم الاثنين الماضي. ولا يتعلّق بمن يراهم صاحبُ هذه الكلمات استحقّوا الجائزة الكونية في الآداب والسلام، ولم تلتفت إليهم قبل أيام، ولا قبل أعوام. ولا تتشاطَر هذه المقالة، فيزعم كاتبُها معرفتَه عن علماء في الطب والكيمياء والفيزياء، كان الأدعى أن يُمنحوا "نوبل"، ولكنها راحت لمن هم أقلّ كعبا منهم. إنما العنوان هو ما اختاره خرّيج البكالوريوس في علم الحيوان، باهر محمود عبد الوهاب زهران، بطل رواية المصري، حسن صبري، للفتيان "لا تنسوا روزاليند"، لسلسلة كتبٍ أنجزها عن علماء كانوا يستحقّون الجائزة، في الفيزياء والكيمياء والطب، ولم تُعطَ لهم. أحرزت هذه الرواية واحدةً من جوائز كتارا الخمس للرواية العربية، غير المنشورة، للفتيان، في الدورة الرابعة العام الماضي (2018)، ثم أصدرتها، أخيرا، دار كتارا للنشر في الدوحة، مع غيرها من أعمالٍ ودراساتٍ جرى توزيعها والاحتفاء بها ضمن فعاليات الدورة الخامسة للجائزة قبل أيام، ليتيسر التعرّف على هذا النص الرائق، والذي يسوّغ، هنا، مناسبةً للإتيان على فداحة نقصان الاكتراث العربي العام بأدب الفتيان (المنطقة العُمرية الأعلى من الطفولة). لا ينكتب، في بلادنا، هذا الأدب كثيرا، يكاد يكون غائبا، ولا تحفل به أوساط التنشيط الثقافي ودور النشر، وأظنّها جائزة كتارا للرواية العربية للفتيان (10 آلاف دولار) الوحيدة عربيا في اختصاصها هذا، ما يجعل التثنية هنا على القائمين عليها، وكذا أصحاب المبادرة لإطلاقها، أمرا مستحقّا. 
أمّا وأن بساطة البناء والسرد، والميْل إلى نوعٍ من التعليمية والتقريرية، هما من سمات العمل الروائي الموجّه إلى الفتيان، فإن حسن صبري، إلى جانب الأمريْن، يصنع التباسا حاذقا، عندما يوازي المعلومة العلمية المدقّقة مع بعض المتخيّل فيما يخص الراوي السارد، وهو يبحث في موضوعه، بمفاجآتٍ ووقائع شائقة، وبلغةٍ على قدر من الجاذبية، فتوفرت لقارئ هذا العمل الإبداعي أسبابٌ كثيرةٌ للمؤانسة، ومعلوماتٌ عن علماء كثيرين، ساهمت كشوفُهم في مراكمة المعرفة العلمية، وفي إسعاد البشرية. وجاء نابها من الصيدلاني، حسن صبري، أنه اختار بطل "لا تنسوا روزاليند" كاتبا في العلوم للأطفال والناشئة، يحدُث، في مسار القص المتتالي، بإيقاعٍ يتصف بالحيوية والامتلاء، أن يتعرّف على صاحب دار نشر كتب للأطفال والفتيان في العلم والعلماء، فيتفق معه على إنجاز كتبٍ عن علماء أفادوا الإنسانية، لم يتم تكريمهم بجائزة نوبل. يحدّثه الناشر بأنها "ستمثّل إسهاما متواضعا لتكريم "مظاليم نوبل"، وفي الوقت نفسه، إفادةً لأولادنا، بشرح منجزاتهم العلمية، وكفاحهم من أجل تحقيقها".
يلتقي باهر محمود عبد الوهاب زهران بأصدقاء ومعارف له، ويتردّد على منزل خالته، حيث زوجها العارف بالعلوم، ويدردش مع زوجته عن قراءاته. وفي الأثناء، وبعد نحو نصف صفحات الرواية، لمّا يزور منزل أحد معارفه، يسمع فيه من الآنسة نرجس، المتقدّمة في السن، عن ضرورة أن لا يغفل عن القيمة المهمّة لما أنجزته العالمة البريطانية فرانكلين روزاليند، والتي ماتت شابّةً في 1958 عن 38 عاما، في تيسير اكتشاف الأميركي جيمس واطسون، والبريطانيين فرانسيس كريك وموريس ويلكنز، الحمض النووي، ما جعلهم يُحرزون جائزة نوبل في 1962، فيما "روزاليند كانت جديرةً بتقلّد ميدالية نوبل قبل الجميع!"، على ما قالت نرجس في انفعال.
لن يفلح أي إيجازٍ هنا في إيضاح ما بسطه حسن صبري، من تفاصيل مثيرة ودرامية، تخص تلك العالمة، ومأساة مرضها الذي تسبّبت به غالبا تجاربها المخبرية والإشعاعية، وما صار لها من تقدير بعد وفاتها. شغلت صاحبَنا باهر زهران، كما لم تشغله شخصيةٌ أخرى، على ما يُخبرنا حكيُه، قبل أن يتمّ كتبه عن العلماء، علي مصطفى مشرفة وبول نبكو وآرثر إيشنجرون وهيلاري كوبرفسكي وليز مياتنر. وللحق، سيجد قارئ الرواية نفسَه مدفوعا إلى مزيد من البحث في شخصية روزاليند فرانكلين، وقبل ذلك وبعده، إلى إعطاء الثقافة العلمية مكانتها في حياتنا، بمعنى احترام العلم وقيمه السامية، ومنها التعاون وتبادل الخبرات .. على ما تؤشر إليه الصفحات الأولى للرواية، قبل طوافها تاليا (198 صفحة)، مع تجارب إنسانيةٍ عظيمةٍ.. شكرا حسن صبري، شكرا "كتارا".
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".