لبنان.. حرائق طبيعية وسياسية

لبنان .. حرائق طبيعية وسياسية

18 أكتوبر 2019
+ الخط -
انشغل لبنان، خلال الأيام الماضية، بكارثة بيئية كبيرة، أتت على ثروته الحرجية، حيث التهمت ألسنة النيران مساحات كبيرة من الغابات في أغلب المناطق، وكانت لمحافظة جبل لبنان (وسط لبنان) الحصة الكبرى، حيث أتت النيران على مساحاتٍ واسعةٍ من مناطق حرجية في هذه المحافظة المحاذية للعاصمة بيروت، وهدّدت الناس في منازلهم، ما اضطر بعضهم لهجرها، والانتقال إلى أماكن بعيدة عنها، طلباً للأمن والسلامة. وقد تبادلت الأطراف السياسية في البلد المسؤولية عن هذه الحرائق، أو عن حالة اللامبالاة التي طبعت أداء أجهزة الدولة والسلطة، خصوصا في الساعات الأولى لاندلاع الحرائق، وحتى بعد ذلك، ما جعل الحكومة تستعين بطائراتٍ من قبرص واليونان والأردن، فيما قدّمت تركيا عرضاً للمساعدة، بينما ظلت طائرات الدولة اللبنانية المخصصة لعمليات الإطفاء في أماكنها جاثمةً، نظراً إلى عدم صيانتها أو تأهيلها لمثل هذه المهمّات. كما جرى الحديث عن أن هذه الحرائق مفتعلة، على خلفية المواقف السياسية والانقسام السياسي بين القوى النافذة والمتحكّمة بالسلطة والدولة، إلا أنّ هذه الاتهامات ظلّت من دون أدلةٍ دامغةٍ أو واضحةٍ، وبقيت في إطار التقاذف السياسي بين القوى. 
بموازاة تلك الحرائق التي أتت على الطبيعة وغاباتها وبيئتها، كانت هناك حرائق من نوع آخر
تشتعل بين القوى السياسية، خصوصا المكوّنة للحكومة، على خلفياتٍ كثيرة، هدّدت، في لحظةٍ، بانفراط العقد الحكومي، وانهيار التسوية التي أمّنت الاستقرار الهش في لبنان حتى الساعة، وقد تبادل الحزب التقدمي الاشتراكي، بقيادة وليد جنبلاط، والتيار الوطني الحر الذي كان يرأسه رئيس الجمهورية، ميشال عون، ويرأسه اليوم صهره، وزير الخارجية جبران باسيل، الاتهامات والتهديدات، على خلفية التوقيفات التي تجري لمناصري "التقدمي الاشتراكي" على خلفية حادثة قبرشمون قبل أشهر، أو على خلفية التعرّض للحريات العامة والصحافية، كما جرى مع ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو مع كتاب صحافيين. ويتهم "التقدمي الاشتراكي" التيار الوطني الحر بالوقوف خلف هذه الممارسات التي يعدّها انتهاكاً للدستور وحرية الرأي والتعبير.
وبالتوازي مع ذلك، اندلع حريق سياسي من نوع آخر بين الوزير باسيل وقوى سياسية أخرى، على خلفية الموقف الذي اتخذه باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية بالقاهرة، حيث شبّه باسيل، في كلمته، هذه العملية العسكرية التركية، في شمال شرق سورية، باحتلال "إسرائيل" الجولان، فضلاً عن مزايدته على وزراء عرب في مسألة العداء لتركيا، وهو ما رأى فيه بعضهم في لبنان تجاوزاً للصلاحيات الممنوحة لباسيل وزيرا للخارجية، وضرباً للعلاقات اللبنانية التركية، بل للمصالح اللبنانية مع تركيا، خصوصا في ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري، فصدرت بياناتٌ ترفض موقف باسيل، وتطالب الحكومة بموقف واضح يعتمد النأي بالنفس عن المسائل الإقليمية. كما ترفض زيارة باسيل إلى دمشق بصفته وزيراً للخارجية إلا بموجب تفويض صريح وواضح من الحكومة، وهو ما يتحفّظ عليه وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل.
هي معركة سياسية لا تقلّ شأناً أو خطراً على البلد من الحرائق الطبيعية التي أتت على مساحاتٍ من لبنان، فالخطاب الآحادي الذي يعتمده الوزير باسيل وتياره، والمستند، في أحيانٍ كثيرة، إلى اعتباراتٍ مصلحية ضيقة، أو حساباتٍ شخصية، تتصل بمعركة رئاسة الجمهورية، أو اعتبارات طائفية ومذهبية آنية، يهدد الصيغة اللبنانية، وينذر باندلاع حريق سياسي كبير قد يتحوّل، في أية لحظة، إلى ما هو أعقد وأصعب، بل إلى زلزالٍ يشعل البلد المنهك بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تنتهي فصولاً.