مياه النيل وصناعة الأفلام

مياه النيل وصناعة الأفلام

17 أكتوبر 2019
+ الخط -
في جوقةٍ واحدةٍ متفق عليها، صار فيلم سينمائي أُنفق على إنتاجه 130 مليون جنيه، البداية الراسخة لإعادة الوعي للروح المصرية مع أننا "فقرا أوي". وبعدما سبّت السيدة فيفي عبده بالدين والعياذ بالله، على الرغم من أن في حصّالتها من عمل الخير، موائد رحمن، ولا يقل عن خمسين عمرة وتسع حجّات، وهذا بالطبع غير التسابيح وقيام الليل، وكادت أن تخرج العيبة من مؤخرة حلقها للشعب المعارض، لولا ستر الله ولطفه. نعم نحن نعيش في أفلام من ست سنوات، ففي جو شتوي من سنتين، تجد على كل حوائط محطات المترو وعرباتها أن طلعت حرب سيعود غدا كي يعيد بناء مصر ثانية، إلى درجة أنك، من كثرة الإعلانات، تحس بالفعل بأن طلعت حرب قد عاد بالطربوش والبدلة، وبدأت زراعة القطن طويل التيلة في الأربعة ملايين فدّان، وأن القمح سيعود ثانية كي يطعم الإمبراطورية الرومانية، وأن صناعة السينما ستبدأ بشائرها في العاصمة الجديدة بمعدل خمسة أفلام للسيدة نبيلة عبيد وحدها، تعيد فيه شباب صناعة السينما بعد أن تطمئن وتجد المنتج الجريء. 
وبالفعل، تغلق أكشاك الفتوى أبوابها في ميدان التحرير فرحا بالسينما الجديدة، وتكفّ أوتوبيسات الشؤون المعنوية عن حمْل المصلين إلى العاصمة الجديدة قبل ظهيرة الجمعة، بعد بناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة، ولم يقولوا أكبر فندق بكلفة ملياري جنيه، إلا بعدما كشف ذلك المقاول والفنان محمد علي في فيديوهاته، فهل كانت السلطة في حاجة لعودة شريف عرفة كي يشد أزر الناس أمام نقص مياه النيل، وأمام فيديوهات محمد علي، وأمام تآكل شعبية عبد الفتاح السيسي، بعد سبع سنوات من الأفلام والدموع، وبرلمانٍ لا يراه شعبه ورئيس برلمان يقر بالأمس: "إن مصر ليس فيها سجين سياسي واحد"، وإمعانا في ترويج الممثلين، يتم إطلاق أحمد فلوكس "باللبس العسكري"، مهدّدا بالقتل، كي يسند السيدة فيفي في هجومها المضاد.
نحن أمام "فيلم سينمائي طويل"، لكل ممثل مشهد، ومن ليس لها بالطلقات أو المدرعات فعليها بالفساتين في "الجونة" بحمّالات أو بغير حمالات أو حتى بطانة. نحن أمام مشهد خلط حميم جدا ما بين السياسي (بعدما ماتت السياسة) والسينمائي، حتى عاد شريف عرفة إلى إعادة التسعين مليونا إلى حضن الوطنية، بعدما ألبس أنور السادات الأسرى الإسرائيليين بيجامات الكستور المقلمة، في وقتٍ أغلقت مصانع المحلة للغزل والنسيج.
نحن أمام فيلم يناقض بعضه، سيناريو ضاحك مكتوب برأسين ومخرجين ومصوّرين، ولا تتحد الجماهير إعجابا به إلا في شرم الشيخ مع التصفيق ودموع الرئيس أو تهديده ووعيده لخصومه، حينما يلمس الكرسي ويقول: "اللي هيقرّب من الكرسي ده هشيله من على وش الأرض".
وحينما يريد دكتور علي عبد العال، رئيس برلمان الشعب، أن يزيح المسؤولية عن السيسي، فلا يجد أمامه طريقة سوى أن يُلقي بالمصيبة كلها في حِجر الشعب، لا في حجر الذي وقّع الاتفاقية في مشهدٍ يذكّرك بلعب العيال في الحارات زمان. "مصر دخلت حزام الفقر المائي بسبب الزيادة السكانية". وهنا لا بد أن نذكّر دكتور علي عبد العال بأن عدد سكان إثيوبيا تجاوز 109 ملايين نسمة، ولن نحاجّك لا بالصين ولا بالهند. فهل دخل الفيلم إلى السكان وضرورة الخصاء كي يكتمل الفيلم الكابوسي، وخصوصا حينما أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية، السيدة غادة والي، أن نسبة الخصوبة في الصعيد زائدة جدا، فماذا ستفعل الرئاسة لمعالجة الوضع؟ بعدما دخلت السيدة غادة والي إلى "منطقة خاصة جدا وحميمة"، وأغلى حتى من الزئبق الأحمر؟ وتكاد تكون شبه متوافقة مع المستشار العلمي للرئاسة، دكتور أحمد عكاشة، المهتم جدا بمسألة تجويع المصريين لإطلاق قواهم الكامنة. طيب يعني "هنلاقيها" من غادة والي، ولا من أحمد عكاشة؟
وفي النهاية، أجد أن الوضع قد وصل إلى حدّ خطير، ويحتاج بشكل مُلحّ إلى مؤتمر دولي في شرم الشيخ يلامس حافّة ماء البحر. ومن الجميل أن يحط القمر نوره على الماء في ليلة النصف من الشهر العربي، ويحتاج الوضع في تلك اللحظة إلى "خطين دموع من محاجر العين" من السيد الرئيس، كي يرى الناس محبّته للشعب دموعا، وأغنية جديدة حزينة من كلمات إسلام خليل، شرط أن "يضربها" المطرب شعبان عبد الرحيم توزيعا ولحنا في الهون النحاس، عسى الله أن يأتي بالفرج.