داء ودواء

داء ودواء

16 أكتوبر 2019
+ الخط -
كانت المفاجأة صادمة، فلم يتوقع أحد أن البحر الذي يُلقي بخيراته نحو الفقراء القاطنين حول ساحله قد يقسو يوما، ويُلقي بسم قاتل نحوهم، فقد تعالت التحذيرات والتنبيهات من نوعٍ من السمك السام الذي يؤدي تناوله إلى الموت. وبالفعل، لقيت امرأة فلسطينية شابّة حتفها بعد تناولها وجبة سمك من نوع "سمك الأرنب" في غزة. 
لم يتوقع أحد أن يكون هناك نوع من السمك السام، والكل يعرف أن البحر لا يقذف إلا بالخير للراجين منه وجبة تسد جوعهم، ولكن المفاجأة كانت صادمةً، حين حذرت وزارة الصحة من نوعٍ سام من الأسماك أدى إلى وفاة سيدة شابة، بعد إصابتها بحالة تسمم شديدة. وقد ذكرت المصادر الطبية عن هذه السمكة أن سمّها يكفي لقتل مائة شخص، وهي تتغذّى على الأسماك الصغيرة واليرقات، كما أن مصدر سمها هو الطحالب السامّة التي تتغذّى عليها. بعد هذا التحذير، بات الناس القاطنون على ساحل البحر في خوف وتوجس من شراء الأسماك التي تعد وجبةً رخيصةً ومتوفرة. وبدأ التساؤل عن الحكمة من ظهور هذا النوع من السمك السام وسط خيرات البحر الكثيرة، وإنْ لم يكن أحد يستطيع أن ينكر أن لحم سمكة الأرنب الشهي لا يقاوَم إن نزعت الغدد السمّية وتقشّر جلده، حيث يتركز سمكه، ويباع لحمه بثمنٍ مرتفع.
السم الذي يخافه الناس الفقراء، استشعر الخوف منه الملوك على مر الزمان، ولا زال الحديث عنه وسيلة للتخلص من ذوي النفوذ، بل إن التحليل الجاهز لدى العامة عن وفاة غامضة لشخصية هامة أنه قد تعرّض للسم خفيةً. ولذلك، تعمد ملكة بريطانيا، مثلا، إلى تناول طعامها بطريقة معينة، لكي تحمي نفسها من خطر سم الأعداء، فيتم إعداد كمية كبيرة من الطعام المخصص لوجبتها في ذلك اليوم، ويسكب في عدة أطباق، بحيث تكون وجبة باقي المقيمين في قصرها، ثم يطلب من أحد الخدم أن يختار طبقا بطريقة عشوائية، يكون هو طعام الملكة في ذلك اليوم. وبذلك تضيع الفرصة بتخصيص طبقها بنوعٍ من السم، سواء سريع الأمد أو بطيئه.
السم فكرت فيه زوجة شابّة للتخلص من حماتها التي تكدّر حياتها، ولجأت إلى طبيب، وحكت له عن معاناتها، فأعطاها قارورة فيها سائل شفاف، على أساس أنه سم بطيء المفعول، وأوعز لها أن تضيف منه قطراتٍ معدودة إلى كل طبق شهي تعدّه لحماتها، لكي لا تشك بنياتها، فتفننت الزوجة بإعداد أشهى الأطباق، وقدّمتها لأم الزوج التي بدأت تحبها وتعاملها بلطفٍ ومودّة، فسارعت الزوجة إلى الطبيب، تطلب منه أن يوقف مفعول السم، لأن معاملة حماتها لها قد تغيّرت، وبأنها لا تريد لها أن تموت، فأخبرها الطبيب بسر القارورة بأنها لا تحتوي سمّا، ولكن فيها بعض الماء الرائق، وبأن السم ما هو إلا حصاد اللسان ونتاج الأفعال.
وإن كان السم وسيلةً للتخلص من الأعداء، فهو وسيلة رخيصة لحل مشكلات البسطاء، وخصوصا الزوجات، لأنه متوفر بين الأيدي بأرخص الأسعار. وعن ذلك يروى أن الزوجات الفرنسيات في إحدى البلدات في القرون الوسطى كن يضعن سمّا مخففا لأزواجهن في الصباح، فإذا ما تأخر الزوج في العودة إلى بيته تبدأ أعراض التسمم بالظهور عليه، من دون أن يدري فيصاب بالغثيان والصداع والمغص، فيعود مسرعا إلى البيت، طالبا العون من زوجته، فتدسّ له مضادّا للسم مرة ثانية، فينتعش ويتعافى، فيعتقد الزوج المخدوع أن بعده عن بيته وزوجته هو السبب في تعبه ومرضه، فلا يفكر بالبعد ولا الخيانة. ويبدو أن هذه الطريقة إن كانت حقيقة أو خيالا تجذب النساء في الوقت الحالي، خصوصا مع ظهور الزواج المتعدّد بمسمّياته المختلفة، ولو حصلن على هذا السم ومضادّه سيحافظن على الأزواج، وإن كان إعلان إحدى الشركات الأميركية عن خواتم زواج تحتوي على أجهزة تتبّع دقيقة داخلها، من دون علم الزوج بالطبع، ستحل المشكلة، وستعطي الفرصة للزوجات، لتتبع خطوات الأزواج، من دون الحاجة إلى السم، فليس كل مرة ستسلم الجرّة.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.