نساء "طالعات"

نساء "طالعات"

02 أكتوبر 2019
+ الخط -
من دون فارق زمني كبير بين قضية الأب الفلسطيني الذي يعذّب طفلته والقضية البشعة الأخرى، تعذيب طفلة مصرية ذات خمس سنوات على يد جدتها، فتوفيت نتيجة مضاعفات التعذيب والاغتصاب... ولدت، واسمها جنة، لأبوين كفيفين، ووقع الطلاق بينهما، ولأن قرار الشرع بأن تعود حضانة الطفلة للجدّة من ناحية الأم، فقد تولت هذه حضانة جنة مع شقيقتها أماني الأكبر قليلاً، ولكن هذه الجدة المفروض أن تكون أمينة على حفيدتيها كانت السبب في عذاب إحداهن واغتصاب روحها وجسدها وتعرّضها لأقسى وأبشع تعذيب أدى، بمضاعفاته الخطيرة، إلى وفاتها. 
لم يستطع والدا جنّة الكفيفان، وهذه كارثة، توفير الرعاية لها. والكارثة الثانية انفصالهما. والثالثة أن المحكمة قد قضت بأن ترعاهما الجدة من ناحية الأم، حسبما يقر الشرع، ولم تتحرّ أي تفاصيل عن الجدة وظروف حياتها، وما إذا كانت قادرة على رعاية طفلتين. ولم تحكم المحكمة بهما للجدة من ناحية الأب، والتي ربما كانت ستكون أمينة عليهما. والشائع أن أهل الأم عموما يكونون أكثر حنانا على أبناء الابنة في مرحلة المهد والطفولة المبكرة، قبل أن ينتقل الطفل إلى حضانة الأب. وشاءت الأقدار أن تُبتلى الطفلة جنّة وشقيقتها بجدة وخال تجرّدا من مشاعر الحنان، وتعاملا مع الطفلتين كأنهما حمل زائد، وأمر واقع بغيض فرض عليهما.
سمعت الجدة نصيحة جارتها بأن تحرق الأجزاء الحسّاسة من جسم الطفلة، لأنها تتبول لاإراديا. كما يفعل آباء وأمهات كثيرون مع أولادهم الذين لديهم هذه المشكلة، والتي تكون أسبابها الأولى نفسية، علاوة على الأسباب العضوية التي يتفرع منها سبب وراثي، بحيث يصل الإنسان إلى سن البلوغ، وهو يعاني من هذه المشكلة.
تدل حادثة تعذيب الطفلة جنة واغتصابها على قصور القضاء المصري. ومثل هذه القضايا غالبا ما يفلت مرتكبها من العقاب، أو ينال عقابا ليس بحجم الجريمة. ولذلك تتكرر مثل هذه الجرائم. كما أن حماية الإنسان، قاصرة في المجتمعات العربية، وخصوصا المرأة التي تتعرّض للعنف منذ صغرها من المحيطين بها، فالجدّة مجرمة، رأت في الطفلة التي انفصل والداها عبئا زائدا، وتسترت على اغتصاب ابنها هذه الطفلة، والذي أفرغ شهوته الحيوانية فوق جسد الطفلة الصغير الضعيف. وربما تعرّضت شقيقة جنة لمثل ما تعرّضت له، في ظل صمت الجيران، وغياب الوالدين الكفيفين، وغياب القانون الذي سلّم الطفلتين للجدة وانتهى دوره.
من أجل ما حدث للطفلة جنّة، وما يحدث لمثيلاتها على مراحل عمرهن، مرورا بمقتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب، وبعدها تعرّض امرأة فلسطينية لتحطيم قدميها من عائلتها، لمنعها من الخروج من البيت للبحث عن عمل بعد طلاقها، وليس انتهاء بالحوادث التي باتت تتكرر أمام صمت القانون، خرجت نساء فلسطينيات متظاهرات للاحتجاج تحت شعار "طالعات" في جميع أنحاء فلسطين، ودعون إلى تحرير المرأة وعدم الانتظار حتى يتم تحرير الوطن من الاحتلال.
لا يمكن أن نصدّق أو نستسيغ كذبة أن فلسطين سوف تتحرّر قبل أن نحرّر المرأة ونمنحها حقوقها ونوقف العدوان ضدها. كيف يخرج رجال الوطن هاتفين ضد الاحتلال، وهم يقمعون نساءهم، ويضربونهن ويعتقلون أرواحهن وأجسادهن، فالعنف المجتمعي الداخلي الذي يُمارس ضد النساء يستشري وينتشر، بحيث أصبح همّا أكبر من هم الاحتلال. ولذلك يجب أن يستمر ويتسع حراك "طالعات"، حتى يزول العفن من عقول وبيوت عربية نقلت عفنها إلى المدارس والشوارع، وتعاملت مع المرأة على أنها إرث وسقط متاع.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.