حين يحكم "الهملالي" وطناً

حين يحكم "الهملالي" وطناً

07 يناير 2019
+ الخط -
كانت الدراما السورية قبل الثورة تتحدّث عن الواقع المر، من دون أن تلامس الخط الأحمر المحظور، إنْ في "مرايا" أو "بقعة ضوء". كانت غالباً تتحدّث عن الناس المنهكة في البلد المرتاح اقتصادياً، البلد الذي يشبه في توزّع اقتصاده توزّع الشعر في الظهر وتساقطه عن الرأس الذي هو الشعب.
جاءت "ضيعة ضايعة" على جزأين، شخصياً شاهدتهما أكثر من مرّة، وسألت نفسي هل كان السيناريست، ممدوح حمادة، يستشرف المستقبل القريب، هل كان يقول لسيادة الرئيس: أيّها الهملالي أنت تدير مضافة "خريوش" ولا تدير بلداً؟
الحلقة الأخيرة من الجزء الثاني الأخير الذي لا يمكن استئنافه كهزلية باب الحارة، هي الحكاية، الحلقات السابقة كانت الواقع أمّا هي فكانت النتيجة.
المسلسل في حلقاته يومياتٌ سوريةٌ مُعاشة، جسّدت علاقة الجار بجاره، علاقة الشاب بالفتاة، علاقة البائع بالزبائن، علاقة أم الطنافس بالتخريمة، علاقة السلطة بالشعب (سِفاح)، وعلاقة الشعب بالسلطة (خوف)، وعلاقة السلطة ببعضها (نفاق).
كما سلّط الضوء على تركيبةٍ ديموغرافية ليست افتراضية، وهذه التركيبة المتباينة في العلاقة مع السلطة سبّبت في النهاية ما جرى في الحلقة الأخيرة. مات الجميع، السلطة، الشعب، التخريمة المدعومة من السلطة بسبب الطائفة، أم الطنافس التي يطبّق عليها حتّى قانون المرور، على الرغم من أنّها بلا سيارات، أيضاً بسبب الطائفة، حتى "أسعد" البسيط و"عفوفة" و"سلنكو" و"ديبة" كلّهم ماتوا... ولم ينجُ المكان الوحيد الذي وصف طوال حلقاته خلال الجزأين بأنّه المنجى الوحيد!
في الحلقة الأخيرة، يتجلّى الندم الحقيقي، الجميع جاءتهم الصحوة. المختار يَعد سلنكو بتزويجه عفوفة، حسان يرتدي البوط بدل الشحّاطة لأول مرّة، "أبو شملة" يشلح الجبروت، أبو نادر يتّخذ قرار سيادي.
كل ما فعلته الشخصيات كان لأول مرة، وثمّة سؤال في خلفية كلّ منهم: ترى لماذا لم أفعل هذا من قبل... والندم على عدم الفعل جاء في الوقت الخاطئ، لقد قُضي الأمر، ولن يطبّق أيّ قرار فالجميع على قيد الموت. إنّه الندم حين لا ينفع الندم، الفعل حين لا ينفع الفعل، البكاء حين تُمسح العيون، الدم حين يتوقف القلب.
الطريقة التي مات بها الجميع كانت بالسلاح الكيميائي، لقد استخدم الكاتب هذا السلاح بطريقةٍ بريئة ليقتل بها أبطاله، ربّما كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يُسمحَ فيها بعرض هذا الاستشراف قبل 2011، عبر تحميل المهرّبين الجاهلين والمسؤولين الفاسدين كامل المسؤولية، لكنّ ثمّة صوتٌ يتمتم وراء الكواليس: هذا وطن وليس مضافة خريوش، وإن فاتك أيّها القائد ما فاتك فأنت لا تستحق حتّى قيادة المضافة.
إنّ نظاماً يحكم بلداً على أنّه أم الطنافس والتخريمة لن يحصد نتيجةً أفضل. الهملالي ليس بشار، فالأخير في دمشق بعيداً وعائلته عن الجوع، العطش، الحر، البرد، الحرمان، وكلّ ما يمتّ للإنسان السوري بصلة، لكنّ الهملالي عقل ويد ورجل وحذاء النظام، العقل في النهاية يرتبط بالحذاء والأخير يعبّر عن النظام.
إنّ نظاماً يحكم الوطن بالهملالي، وأبو شملة، وكلمة "فوق"، وبـ "حسان" الفسّاد، لن يجعل منه حمادة مكاناً صالحاً للإنجاب، فطوال الجزأين لم يستطع أحدٌ منهم إنجاب ولد! وليت أهالينا لم يستطيعوا إنجابنا في أم طنافس الأسد.
12ABC28D-FE68-40C7-9F72-F2D9B696FD02
12ABC28D-FE68-40C7-9F72-F2D9B696FD02
أحمد عليان (سورية)
أحمد عليان (سورية)