لا ملائكة في اليمن

لا ملائكة في اليمن

05 يناير 2019
+ الخط -
خلال أسبوع واحد، وُجهت سهام اتهامات خطيرة لطرفي الصراع في اليمن بالتورّط في فسادٍ بملف مساعدات الغذاء الدولية.
من جانب الحوثيين، حذر برنامج الغذاء العالمي رسمياً من الممارسات التي شملت حرمان أفراد أو مناطق بكاملها من الحصص الغذائية، تزوير سجلات توزيع الأغذية، التحكّم باختيار المستفيدين، بعض المواد تم منحها لأشخاص غير مستحقين، أو بيعت في أسواق العاصمة.
قال المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي: "يرقى هذا السلوك إلى سرقة الطعام من أفواه الجياع".
بشأن الجانب الآخر، نشرت وكالة أسوشييتد برس الأميركية تحقيقاً يوثّق نهب قوات يمنية متحالفة مع التحالف العربي للمساعدات المخصصة لآلاف العائلات في مدينة تعز. وشملت الممارسات منع المساعدات الغذائية من الوصول إلى مجموعاتٍ غير موالية للفصائل، أو منحها لمقاتليهم في الجبهة، أو بيعها في السوق السوداء. وتم توثيق نهب آلاف من أكياس الغذاء وسلاله، وليست تعز المحافظة الوحيدة في تلك الممارسات. ونقلت الوكالة عن مسؤول إنساني في تعز قوله إن "الجيش الذي يجب أن يحمي المساعدات هو من ينهبها".
يحدث هذا في بلد نصف سكانه، أي 14 مليون إنسان، مهدّدون بالمجاعة، كما قال مسؤول المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، بينما تقول تقديرات حقوقية إن نحو 85 ألف طفل قد يكونون ماتوا جوعاً أو مرضاً منذ 2015.
واشترك طرفا الحرب أيضاً بجرائم الإخفاء القسري والتعذيب. وللمفارقة، تم توثيق ذلك في تحقيقين من الوكالة نفسها، أسوشييتد برس، وبمشاركة الصحافية نفسها، ماغي ميشيل. وعذّب الحوثيون ضحايا مدنيين لأتفه الأسباب، حتى أن منهم طبيباً أجرم بتقديم العلاج لمن اعتبروه عدواً. شمل التعذيب الإحراق بالنار أو الأحماض، التعليق، الجلد، الضرب بقضبان حديدية، وغير ذلك.
وقد وثّقت رابطة أمهات المختطفين أسماء 18 ألف شخص تعرّضوا للاحتجاز، منهم 126 حالة وفاة تحت التعذيب. وأخيرا يرفض الحوثيون تنفيذ الجزء الخاص بهم من اتفاق تبادل الأسرى. حسب وكيل وزارة حقوق الإنسان الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، من بين 8576 اسما قُدمت لهم، أنكر الحوثيون وجود 2946 اسما، على الرغم من تأكيد وجودهم، بل ظهور بعضهم في قنوات الحوثيين سابقا!
في المقابل، ذاع صيت السجون السرية الإماراتية في جنوب اليمن، والتي وثق التحقيق تفاصيل أحدها، سجن الريان في مدينة المكلا، حيث تعرّض المحتجزون لشتى أنواع التعذيب والاعتداء الجنسي. الضحايا ليسوا المشتبه بتورطهم مع تنظيم القاعدة فقط، بل أيضا مشتبهون بمعارضتهم سياسياً المشروع الإماراتي الانفصالي الجنوبي.
ولا حاجة للتفصيل في أن دعماً خارجياً خليجياً في صف هادي، يوازيه دعم إيراني في جانب الحوثي. وكان مجلس الأمن مطلع 2018 على وشك إصدار قرار على الأدلة الوافية التي قدمها تقرير مطول للجنة الخبراء، عن أسلحة نوعية كالصواريخ الباليستية والطائرات المٌسيرة، لولا أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو).
ومن حيث المشروع السياسي، آخر من يحق له الحديث باسم الشعب هم الحوثيون الذين يهتف مقاتلوهم بصراحة تامة بـ"ولاية" السيد عبدالملك الحوثي، كونه وريث ولاية علي، ويتغنّى نشيدهم الحماسي به بوصفه "ابن النبي"، حيث الحكم لسلالة الهاشميين ورثة الأئمة حكام اليمن ما قبل الجمهورية. وفي المقابل، فإن الشرعية، أو "الشرعيات" الكثيرة، لا تكاد تجمع على مشروع واحد بين منطقة وأخرى، بل أحياناً داخل المدينة نفسها، وما القتال المتكرّر بين كتائب أبي العباس وقوات حزب التجمع اليمني للإصلاح في تعز، أو بين القوات الجنوبية وألوية الحماية الرئاسية في عدن، إلا نماذج.
مشروع الدولة الديمقراطية المدنية الذي نادت به الثورة يوما يضحي سراباً أبعد. لا أصدقاء للشعب اليمني.
وبينما تتحدّث أصواتٌ من الطرفين عن خوارق تحدث مع مقاتليهم، وتدخلات إلهية لصالحهم، يقول الواقع إن الملائكة السماوية لم تحمل الغذاء إلى الأطفال الجياع، كما لم تحمله ملائكة أرضية بشرية.
لا ملائكة في هذه الحرب، ولا في أي حرب.