عن انسحاب واشنطن من سورية

عن انسحاب واشنطن من سورية

05 يناير 2019
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً قرار انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات في سورية، فألفا جندي سيعودون إلى ديارهم وذويهم، في دلالة على نهاية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما تبقى من الإرهابيين، فتركيا قادرة على التعامل معهم.
قبل القرار كان الإعلام الأميركي يستبعد الانسحاب ويربطه بالأحداث التي تجري على الأرض السورية، فواشنطن باقية على الرغم من القضاء على "داعش"، وستواصل الضغط على إيران للخروج من سورية، والعمل على إطلاق عملية سياسية شاملة تنهي الأزمة السورية برمتها.
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل أشهر، إنّ على جميع القوات الموجودة على الأراضي السورية الخروج بما فيها الروسية، لتذليل العقبات من أمام السوريين لإيجاد حل عادل وشامل يتفق عليه كل السوريين، فواشنطن وقواتها تمثل العقدة الكآداء أمام العملية السياسية.
ثمة ثلاث ملاحظات على الانسحاب الأميركي، الأولى "السرعة" في اتخاذ القرار، حيث باتت جميع القرارات تؤخذ في الطائرة على حد تعبير أحد المهتمين بالسياسة الأميركية الحالية، أي أن الرئيس الأميركي لا يكترث بمساعديه ومستشاريه ومفصولاً تماماً عن إدارته التي تبدلت معظمها، وليس آخرها طبعاً وزير دفاعه، جيمس ماتيس، الذي عارض الانسحاب بشدة، وقال إن الرئيس يريد وزير دفاع يحقق له رؤياه وتطلعاته أي أن يسكت على الهفوات والأخطاء المتكررة.
الرئيس دونالد ترامب، أكثر الرؤساء الأمريكيين جدلاً ومشاغبة، فهو الذي تجرأ على القضية الفلسطينية بعدة إجراءات، وأعتقد أن وضوح السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية يخدمها، لأنه يكشف الوجه الحقيقي للموقف الأميركي البشع، وربما يكون مؤشرا ومحفزاً للأطراف الفلسطينية للعودة إلى العمل الجاد، ونبذ الخلاف والتوحد أمام الهجمة الشرسة الأميركية والصهيونية التي تستهدف تصفية القضية العادلة.
الملاحظة الثانية، أن القرار يكشف الانفصال التام عن الحلفاء الكلاسيكيين، بريطانيا وفرنسا، ومعارضتهما الشديدة له، فبريطانيا منشغلة بالخروج من الاتحاد الأوروبي وإرجاء التصويت عدة مرات يشي بزيادة الأزمة ومضاعفات الخروج، وفرنسا تضربها رياح التغيير، من خلال خروج السترات الصفراء إلى الشوارع العامة محتجة على القرارات المجحفة وتطالب برحيل الرئيس ماكرون.
الثالثة، وهي الأخطر في المعادلة، ونعني الاعتماد المالي الكلي على النظام السعودي بكل التحركات، إذ يعلن الرئيس الأميركي أن دولاً ثرية يجب أن تدفع لقاء الحماية، وأن تدفع تكلفة بقاء الجنود الأميركيين في المنطقة، في إشارة إلى السعودية التي تخوض حرباً خاسرة باليمن.
لن تتغير السياسة الأميركية بطبيعة الحال، هي تمتلك خلط الأوراق، ولكن لا تمتلك نتائج هذا الخلط، فقراراتها في الغالب تنقلب على الإدارة التي قد يصيبها تغيير كثير، وكثرة الأخطاء يعني تصحيحا كثيرا. وعن الوجود الأميركي في المنطقة ضروري لجهة الغطرسة والرمزية للهيبة والإمبراطورية، فاستقالة مسؤولين أميركيين كثيرين يدل على الهشاشة والضعف الحاصل في البيت الأبيض اليوم.
محمد عياش
محمد عياش
محمد عياش
كاتب وباحث سياسي فلسطيني، يؤمن بمقولة "من طلب الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
محمد عياش