رسائل مباراتي قطر مع السعودية والإمارات

رسائل مباراتي قطر مع السعودية والإمارات

01 فبراير 2019

من مباراة منتخبي قطر والإمارات في أبو ظبي (29/1/2019/Getty)

+ الخط -
أحب كرة القدم، ولكني قليلا ما أتابع مبارياتها الكبرى، عالميا أو عربيا، فليس عندي وقت لذلك. هذا لا يعني أني لا أشجّع أندية وفرقا بعينها، أجنبيةً كانت أم عربية، بناء على مستوى لعبها وجمال كُرَتِها. ومثل كثيرين غيري، كثيرا ما أخضع تشجيعي لناد أو فريق لمعايير تتعلق بالدين أو القومية أو الوطنية، وقطعا لمعايير تتعلق بالموقف السياسي أو الفكري من البلد الذي يمثله فريقٌ معين. ومن هنا، ومن دون مواربة، لا أتردد في أن أعلن أني تمنيت فوز المنتخب القطري لكرة القدم في المباراتين اللتين جمعتاه مع منتخبي السعودية والإمارات في مسابقة كأس أمم آسيا، وفاز بهما. المفارقة، أني لم أحضر أياً منهما، فمرة أخرى هذه ليست أولوية عندي، لكني اهتممت أن أعرف النتيجة.
ليس موقفي السابق استثناء، بل أزعم أن نسبة معتبرة من العرب تمنّوا فوز المنتخب القطري، على الرغم من أنه يلعب في هذه الحالة ضد منتخبين عربيين كذلك. صحيحٌ أن المنتخبات الثلاثة تساوت في معايير الدين والقومية، لكنها لم تتساو في معايير الموقف الفكري والسياسي لبلادها. سياسات قطر الداخلية والخارجية ليست ملائكية، ولا هي منزّهة عن الأخطاء، ولكنها تتجنب، في الغالب، على الأقل إلى الآن، الوقوع في الخطيئة. قد تختلف مع كثير من تلك السياسات، مثل استقبال وفود صهيونية، سياسية ورياضية، ولكنك تجد لقطر سياساتٍ أخرى تؤيدها، وهي أقرب إلى نبض الشعوب العربية. من يزور قطر يجد مفكرين ونشطاء عربا كثيرين، من كل التيارات والخلفيات، ضاقت بهم أنظمة البطش في بلادهم، فكان أن آوتهم الدوحة. وفي قطاع غزة المحاصر من الشقيق الفلسطيني، ممثلا بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومن الأخ العربي، ممثلا بالنظام المصري، مثلما هو محاصر من العدو الصهيوني، تجد لقطر أيادي بيضاء. وخلال الثورات العربية، أخذت قطر، وأذرعها الإعلامية، خط الشعوب، لا خط الأنظمة. وهي لا شك لها كثير فعل مُقَدَّرٍ في أكثر من دولة عربية وإسلامية، مَسَّت شعوبها البأساء والضراء.
في المقابل، عادت السياسات السعودية والإماراتية، ومنذ انطلاق الثورات العربية، أواخر عام 2010، طموحات الشعوب وسعيها إلى الحرية والكرامة. موّلتا الثورات المضادّة، وأجهضتا كثيرا من آمالنا، نحن العرب، فضلا عن تحالفهما مع إسرائيل، ليس ضد إيران فحسب، كما يزعمان، بل ضد قضايانا كلها، كأمة عربية، في فلسطين وسورية والعراق وليبيا ومصر 
واليمن، والقائمة تطول. إذن، قضيتنا مع السياسات السعودية والإماراتية ليست خلافا على أخطاء، بل على خطايا وجرائم يصرّان عليها بحقنا جميعا. وإذا كانت الدوحة اليوم "كعبة المضيوم"، فإن الرياض وأبوظبي تحولتا إلى معتقليْن كبيريْن، بل وإلى مسالخ بشرية. أيضا، إذا كانت أذرع قطر الإعلامية وقفت، ولا تزال، على الأغلب، مع نبض الشعوب العربية، فإن أذرع السعودية والإمارات الإعلامية، وقفت يقينا، ولا تزال، مع مافيا الحكم وعصاباته.
كانت تلك المعايير والحسابات حاضرة في حسابات كثيرين منا، وهم يؤيدون المنتخب القطري لكرة القدم. وليس مستبعدا أنه لو جرت هاتان المباراتان قبل تسع أو عشر سنين لربما كانت الأمور مختلفة، ولوجدت غالبية عربية تشجع المنتخب السعودي، انطلاقا من الارتباط الروحي والعاطفي ببلاد الحرمين. لم تتغير الشعوب العربية، ولكن حكام بلاد الحرمين والإمارات كشفوا اللثام عن وجوهٍ قبيحةٍ كريهةٍ بالنسبة لها، بما في ذلك شعبيهما، في حين حافظت قطر على تماسكٍ معقولٍ وملموسٍ في سياساتها التي جذبت إليها كثيرا من قلوب العرب. أبعد من ذلك، التجييش السعودي - الإماراتي قبل مباراتيهما مع قطر، وخلالهما، وبعدهما، أدّى إلى ترسيخ قناعة الضمير الجمعيِّ لهذه الأمة، من أن الرياض وأبوظبي تمثلان اليوم نموذجين قميئين لعرب الجاهلية، عرب داحس والغبراء، وعرب البسوس، وعرب حروب الفجار، وعرب يوم بعاث، يوم كان العرب يتقاتلون على أتفه الأمور، ومن أجل أتفه الأسباب، يبيدون بعضهم بأيدي بعض، من دون أي اعتبار لوشائج القربى والمصير المشترك.
الحال العربيّ كئيب اليوم. إننا ننتحر ذاتيا بفعل حمقى بيننا، وبعضهم مجرمون مع سبق إصرار وترصد. لقد تردّينا إلى قاعٍ سحيقٍ نحتاج معجزة تنتشلنا منه. وحتى ذلك الحين، لعل المجرمين بيننا يسمعون من لعبة كرة قدم بين الأشقاء رسالةً مدويةً من الشعوب العربية، تُعَرِّفُ كل واحد مكانه، وموقعه في وعيها، فحتى الرياضة تبعث رسائل بَيِّنَةً لمن لا يفهم، ولا يريد أن يفهم.