علمني فيسبوك

علمني فيسبوك

30 يناير 2019
+ الخط -
(1)
يكاد فيسبوك أن يكون صورة مصغرة من الواقع، بلا رتوش، الكتابات فيه بأقلام أصحابها.
بدون ضغط، كل واحد يعبّر عمّا يخطر بباله، وما هو مخبوء في خوالجه، فأصبح المرء مخبوءا تحت صفحة حسابه في "فيسبوك"، بدل لسانه.
(2)
تغري المساحة البيضاء في "فيسبوك" بالكتابة، ولذلك نتساءل: هل يصنع الفيسبوك كاتبا؟ قد تعرفنا، نحن القرّاء، على كتّاب لم ينشروا إلا في "فيسبوك"، ومن بعد ذلك وجدت أعمالهم طريقها إلى الصحف، وكأن "فيسبوك" مساحة للتجربة الأولى على الكتابة.
(3)
الغرب سمّى "فيسبوك" شبكة "تواصل اجتماعي"، لكننا العرب حولناه إلى شبكة "تدابر اجتماعي"! من خلال المهاترات على صفحاته.
(4)
علمني "فيسبوك" أن الدنيا مليئة بالخيرين، مثلما هي مليئة بالأشرار، و"فيسبوك" نموذج مصغر لهذه الدنيا، وأن الوجوه تتغير في كل لحظة، وكذلك الأمزجة والآراء كما تتغير أوجه مرتادي "فيسبوك"، حسب الطلب.
وعلمني أيضا أنّ الصداقات قابلة للحذف في أي لحظة، مثل العلاقات الحياتية القابلة للحذف في أي لحظة، وأن سرقة الحساب أمر وارد في الحسبان، مثلما هي سرقة المستقبل في الوطن العربي أمر وارد في الحسبان. وأن الكثرة لا تدل على الجودة أبدا، فهناك "لايكات" كثيرة لمنشورات تافهة، فلذا لا أعوّل على كثرة الموجودين أو المناصرين، بل على الفكر "المنشور" نفسه، وأن المواقف والأفكار لا مجاملة فيها.
كما علمني أن التغيير سنة الحياة، ولو كانت هذه الحياة افتراضية، ف"فيسبوك" كل يوم في حال، وأن الحياة افتراضية مثل الوجود في "فيسبوك"، وأن أخرج من ضيق المهاترات البينية إلى فضاء المشترك الإنساني الواسع والكبير.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري