بريطانيون فلسطينيون أم فلسطينيون بريطانيون؟

بريطانيون فلسطينيون أم فلسطينيون بريطانيون؟

29 يناير 2019

متظاهرون في لندن مساندة لفلسطين ضد إسرائيل (5/6/2018/Getty)

+ الخط -
ثمّة من سيقول ما الفرق بين التسميتين، وآخر سيتساءل مستنكراً: ما هذه الفلسفة الزائدة؟ وآخر ربما يضحك. كل ردود الفعل متوقعة ومفهومة، لكن المؤكد أن حسم الجدل بشأن التسميتين مقدمة لفهم الدور المطلوب لفلسطينيي بريطانيا، وبالتالي الأثر المرغوب من تحرّكهم لقلب الطاولة على اللوبي الصهيوني الذي هيمن عقوداً على الساحة البريطانية، ويزيف التاريخ والجغرافيا. 
أدرت، نهاية العام الماضي، ندوة متخصصة عن واقع فلسطينيي بريطانيا والدور المطلوب، وكانت بالغة الأهمية، إذ اجتمع فيها فلسطينيون من أطياف مختلفة، وكان السؤال الأول: هل ما زال فلسطينيو بريطانيا يفكّرون بعقلية اللاجئ والجالية المؤقتة الإقامة والوجود؟ ينتظرون العودة في أي لحظة إلى وطنهم، وبالتالي لا يشتبكون مع الشأن المحلي لبلد المهجر، ويطبقون المثل العربي غير الأصيل "يا غريب خليك أديب"؟ أم الصحيح أن يعوا أنهم مواطنون بريطانيون كاملو الحقوق والواجبات، وأن أبناءهم بريطانيو المولد واللغة والجنسية، وأنهم في بلدٍ ديمقراطي، يمنحهم كل الحقوق، بمجرّد حصولهم على جنسيته، على عكس البلدان العربية التي روجت المثل المذكور، لتبرير عملية تدجينهم وتذكيرهم دوما بأنهم لاجئون دخلاء! أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن تكون واضحةً، ولا تقبل التأويل، بأننا بريطانيون فلسطينيون، وأن المطلوب من كل الفلسطينيين التفكير بعقلية المواطن البريطاني وليس اللاجئ السياسي، وأن يشتبكوا مع الحياة السياسية في بريطانيا، وينخرطوا في الأحزاب بكل توجهاتها، ينتخبون ويرشحون نوابا وأعضاء ورؤساء مجالس بلدية، فهذه بريطانيا، بلد النكبة صحيح، ولكن من شأن تحركنا هذا واشتباكنا السياسي من داخلها أن يجعلها بلد العودة. على الأقل 
النضال ضمن مربع الحقوق الوطنية الفلسطينية المعترف بها دوليا، والتي تعطينا مساحةً كبيرة للتحرّك والعمل، وتبدأ بفضح الرواية الصهيونية التي يروّجها أنصار دولة الاحتلال، ومواجهتها بروايةٍ فلسطينيةٍ قوية الحجة والبرهان، مدعومةٍ بأصوات ناخبين يفرضون قضيتهم في برامج الأحزاب السياسية البريطانية.
ولعل التأمل فيما كتبه هيرتزل مبكّرا عن أهمية الساحة البريطانية يجعلنا نعي أهمية الدور المطلوب منا، فقد كتب في كتابه "الدولة اليهودية": "منذ انضمامي إلى الحركة الصهيونية، وجَّهْتُ نظري نحو بريطانيا، لأنني أدركتُ أنها مركز الثقل العالمي، والانطلاق من هناك سيخلق للأفكار الصهيونية أجنحةً تحلق بها عالياً وبعيداً". وبالفعل، عملت المنظمات الصهيونية، مبكرا، على التغلغل في الأوساط السياسية البريطانية، وتشكيل جماعات ضغط لحشد الدعم البريطاني لمشروع "دولة إسرائيل".
لعل البداية في العمل في النضال في الساحة البريطانية يكون بالتعرّف على ذواتنا، وإحصاء أعدادنا، ولملمة شتاتنا الجغرافي والفكري، فعلى سبيل المثال، حاولت البحث عن أرقام توثق عدد الفلسطينيين في بريطانيا، فلم أجد رقما محددا في أي من المراجع العربية أو الأجنبية. وليس في الموقع الرسمي للبعثة الفلسطينية في بريطانيا ما يشير إلى العدد، لكن تقديراتٍ غير رسمية أنهم قرابة ثلاثين ألفا، وهو العدد الذي أورده كذلك أحد الباحثين في تلك الندوة. وعلى كل حال، هي دعوة حقيقية هنا لأن نبدأ بإحصاء أعدادنا، وتوحيد منصاتنا، وهذه البداية. أما البرنامج السياسي للعمل في بريطانيا، فأظنه واضح المعالم، أهم نقطة فيه الخروج من العباءة الفصائلية، وترك الانتماء السياسي هناك في غزة ورام الله وغيرهما من عواصم الانتماء والولاء، والتحدث والتفكير والعمل هنا في المملكة المتحدة بعقليةٍ وطنيةٍ جامعة، تليق بالبلد الذي نعيش فيه، ونحمل جنسيته.
ولمزيد من فهم الواقع في اشتباكنا مع مناصري إسرائيل في بريطانيا، من المفيد ذكر هذين المثالين:
خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وصلت موجات التعاطف وحركات التأييد 
لحقوق الشعب الفلسطيني إلى مختلف شرائح الرأي العام البريطاني، وأثارت غضب اللوبي الصهيوني، حيث أظهرت استطلاعات عدة وقتها أن قرابة 70% من البريطانيين غير مقتنعين بالحجج الإسرائيلية، ويدعمون حقوق الشعب الفلسطيني، ويؤيدون سلاما عادلا ووقفا للعدوان الإسرائيلي ورفعا للحصار. وفي المقابل، نجح اللوبي الصهيوني في تصعيد هجماته ضد مناصري القضية الفلسطينية، ومن ذلك ما تعرّض له زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن، ومحاولة إلصاق تهم اللاسامية به، وهو السيف الذي اُشهر في وجه عمدة لندن السابق، المُخضرم في حزب العمال، كين ليفينغستون، وأدى إلى تعليق عضويته في الحزب.
أخيرا، وإذا لم ندرك أن الوقت حان للتحرك في هذه اللحظة الوطنية الأخطر، وإذا لم يع فلسطينيو بريطانيا خصوصا، وأوروبا عموما، الكنز الذي يملكونه جرّاء وجودهم في هذا البلد، والغرب عموما، في مقابل ما يعانيه إخواننا في الوطن من حصار، وعربدة إسرائيلية، وما يقاسيه إخواننا في دول المهجر العربية من خوف وقلق، وانتهاك الحقوق المدنية للكثيرين منهم، وخشيةٍ من نظم الاستبداد العربية، فمتى إذا؟
على فلسطينيي بريطانيا وأوروبا التوقف عن حالة الاسترخاء غير المبرّرة، وأن يفهموا أن وطنهم يحتاجهم، يحتاج ضغطهم، وصوتهم، ولوبي يكوّنوه هنا يدافع عنهم، ويحاصر في الغرب من يحاصرهم في الشرق، لعلها بداية، لعله تفكيرٌ بصوتٍ عال، لكن المؤكد أنه ضرورةٌ وطنيةٌ بامتياز.
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.