تفجيرات نيروبي ورسائل الدم

تفجيرات نيروبي ورسائل الدم

25 يناير 2019

بعد تفجير استهدف فندقا في نيروبي (15/1/2019/فرانس برس)

+ الخط -
في الوقت الذي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن تقليص وحداتها العسكرية في جنوب الصومال للقضاء على حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، بدعوى أنه لا يوجد تهديد أمني على مصالح واشنطن في القرن الأفريقي، تثبت الحركة أنها احتمال قوي لضرب نفوذ الولايات المتحدة في كينيا والصومال ودول المنطقة، وذلك عبر تفجيرات واقتحام مسلحين، بعضهم من أصول كينية، فندقاً يضم مكاتب هيئات دولية وحكومية في العاصمة الكينية نيروبي، وهو الهجوم الثالث من نوعه، والذي يضرب كينيا من الداخل، بعيداً عن المناطق الحدودية مع الصومال، والتي باتت مسرح مواجهات مفتوحة بين الجانبين، وقد تبنته حركة الشباب، رداً على اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ويؤشر إلى فرضية وجود خرق استخباراتي في الجدار الأمني الكيني، ويوحي بأن نيروبي ليست أفضل من مقديشو أمنياً واستراتيجياً في صدّ هجمات حركة الشباب، نظراً لحجم التفجيرات التي استُخدمت لضرب الفندق، فقد استمرت عملية تحريره من المهاجمين اثنتين وعشرين ساعة.
ويرجح محللون أن غرض استهداف حركة الشباب نيروبي مجدداً خلط الأوراق العسكرية بالنسبة لكينيا، ورسالة قوية إلى الدول الأفريقية والغربية التي أرسلت قواتها إلى الصومال، وذلك لمنع حدوث حرب شاملة لإجبارها على الخروج من جنوب الصومال، وخصوصا مدينة بؤالي، المعقل الرئيس للحركة. ويعد الهجوم كذلك ضربة استباقية وتحذيرية لكينيا وأوغندا، ومن المحتمل أن تشن القوات الكينية والأوغندية هجوماً موسعاً على الحركة، ضمن حملة عسكرية تستهدف وجودها في الصومال.
لا تقتصر تداعيات هذا الهجوم الذي استهدف مجمعاً شعبياً على الأمن فقط، بل تمتد إلى النسق الاجتماعي. وينظر إلى المجتمع الصومالي المقيم في كينيا، وتحديداً في نيروبي، أنه عين 
العاصفة التي تهدّد أمن كينيا واستقرارها. وليس مستبعدا أن تنطلق الدعوات مجدداً إلى إجلاء اللاجئين الصوماليين في المخيمات الكينية من أرض "المساي"، وأن تعود مسألة حقوق الإنسان بين المنظمات الحقوقية، وفي مقدمتها "هيومن رايتس ووتش" والسلطات الكينية إلى الواجهة، فمع كل حدث شرخ أمني تتمسك كينيا بورقة إعادة اللاجئين الصوماليين إلى بلادهم قسراً أو طواعية، مدخلا لتعزيز أمنها في الداخل والخارج.
ويُذكر أن الدافع الرئيس للاجتياج العسكري الكيني في الصومال أواخر عام 2011 حماية المصالح الكينية، وبذريعة الحد من أنشطة الجماعات الإرهابية، وذلك بعد تزايد نفوذ تلك الجماعات بالقرب من مناطق كينيا الحدودية. ولكن يبدو أن التدخل الكيني العسكري في البيدر الصومالي لم ينجح، بل ازدادت خاصرة كينيا الأمنية ترهلاً وضعفاً في تفكيك حركة الشباب، ومنع وصول هجماتها إلى الداخل الكيني.
ليس ثمّة خلاف بعد هجوم نيروبي الأسبوع الماضي على أن هجمات حركة الشباب التي تضرب الدول الإقليمية تمثل تحدّياً أمنياً لدول المنطقة، ولا تتوقف عند حد التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها الحركة في السنوات الأخيرة، فتفجيراتها في مقديشو أخذت منحىً تصاعدياً العام الماضي، وكذلك هجماتها ضد معاقل القوات الصومالية والأفريقية في جنوب البلاد، فهل ستعدل واشنطن عن قرار تخفيض بعثتها العسكرية في الصومال، وعن هجماتها الجوية بطائرات مسيرة. وإذا حدث هذا وذاك في الفترة المقبلة، فسيكون 2019 عاماً ثقيلاً للصومال وكينيا.
من السابق لأوانه الجزم في تصفية أتباع حركة الشباب، أو القضاء عليها نهائياً، في ظل عدم وجود رغبةٍ حقيقيةٍ من الطرف الصومالي الذي يفتقر لرؤية عسكرية واستراتيجية لمواجهة الحركة، فالحكومة الفيدرالية أعلنت مراراً وتكراراً عن تحضيرها حملة عسكرية لإنهاء وجود الحركة، لكن تلك الخطط والحملات لم تر النور منذ تنصيب عبد الله فرماجو رئيساً للبلاد مطلع عام 2017، وكلمة السر لطرد "الشباب" من البلاد إيجاد تنسيق عسكري بين الجانب الصومالي والقوى الإقليمية والدولية المشتركة للقضاء عليها. أما ما عدا ذلك، فتصبح تلك الحملات والبروباغندا العسكرية في الميديا الاجتماعية مجرد أضغاث أحلام أمام حوتٍ يصعب ترويضه.
يعد الأمن أكبر هاجس تواجهه الحكومة الفيدرالية عام 2019، فإذا لم تحقق في غضون هذا 
العام تقدماً عسكرياً إلى الأمام، وتتحرّك نحو ضم الأقاليم الجنوبية في يد "الشباب المجاهدين" إلى حاضنتها العسكرية، فإن تنظيم انتخابات رئاسية عام 2020 سيكون مهمةً شبه مستحيلة، أمام تمدّد تنظيمي الدولة الإسلامية وحركة الشباب في القرن الأفريقي، الأمر الذي سيترك تحدياً أمنياً للمركز والأطراف الفيدرالية في الصومال.
مهما كان الخطر الأمني الذي تواجهه دول القرن الأفريقي، المتمثل في تفجيرات حركة الشباب وهجماتها، فإن غياب قوة عسكرية صومالية سيعقد الأمر، فدول الجوار التي كانت لها اليد الطولى لعرقلة بناء جيش صومالي عقدين ونيفاً تدفع اليوم ثمناً باهظاً، فاستمرار الوضع على ما هو عليه عسكرياً في الصومال ليس من مصلحتها، فأمام كينيا وإثيوبيا خيار تبني استراتيجية جديدة لدعم مقديشو، والكفّ عن الانخراط في المسألة الصومالية عسكرياً، حتى يستقيم البلد، ويشكل قواته من دون عراقيل الجوار هذه المرة. أما الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تمتد مصالحها إلى القرن الأفريقي، فإن استمرار الفوضى الأمنية وغياب دولة صومالية قوية يهدّدان مستقبل وجودها ومصالحها الاقتصادية في المنطقة، وينسف جهود المصالحة بين كل من مقديشو وأسمرة وأديس أبابا.
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
3F6C2AC1-09AD-4357-AA15-D946B74B0C95
الشافعي أبتدون

كاتب وإعلامي وباحث صومالي

الشافعي أبتدون