إسرائيل في الحلف الدولي على إيران

إسرائيل في الحلف الدولي على إيران

21 يناير 2019
+ الخط -
كانت لافتةً طريقة رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وهو يعلن مسؤولية إسرائيل عن الهجمات على "مستودعات أسلحة إيرانية في سورية"، ثم تحذيره من أن "الدولة اليهودية ستضرب بصورةٍ أقوى، إذا لزم الأمر؛ لمنع إيران من وضع موطئ قدم عسكري لها في سورية"؛ ما قوبل بانتقادات سياسيين إسرائيليين؛ لمخالفته المعهود من السياسة الاحتلالية، إذ تمتنع إسرائيل، عادةً، عن التعليق على غاراتٍ جويةً محدَّدة في سورية، ولكنها تقرُّ، بشكل عام، بتنفيذها غارات ضد أهدافٍ تابعة لإيران وحزب الله، في هذا البلد. ولذلك تحدثت تقارير عن أنَّ أعضاء في المجلس الوزاري الأمني المُصغَّر (الكابينت) أعربوا عن استيائهم من قرار نتنياهو الإعلان عن مسؤولية إسرائيل عن الغارة الجوية التي استهدفت سورية، إذ وصف مسؤولون مجهولون لهيئة البث العام (كان) قرار نتنياهو كسر السياسة الإسرائيلية التقليدية في عدم مناقشة مثل هذه الغارات بأنه خطير، وقد يتسبب باستفزاز روسيا وسورية، "من دون داع". ولكن هل كان ذلك التعاطي الأكثر وضوحا، أو سفورا، بلا داع، حقًّا؟ 
مؤكَّد أن لإسرائيل أهدافا ذاتية استراتيجية أمنية، في منْع تموضع إيراني في سورية، وعلى مقربةٍ من الجولان السوري المحتل، وتاليا الحيلولة دون حصول حزب الله على مزيد من الأسلحة الدقيقة، والكاسرة للتوازن. لكن ذلك الهدف أيضا يتقاطع، أو قد يُوَظَّف، في هذه المرحلة، في دمج إسرائيل في المنطقة، في تجاوُزٍ واضح، لما كان يُشترَط، عربيا، بحلٍّ نهائي "عادل" للقضية الفلسطينية، على أساس المبادرة العربية، وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة. وهذا التجاوُز الذي جرى التمهيد له، في خطاباتٍ إعلامية عربية، تُبرِز الخطر الإيراني، وتكاد تغضُّ الطَّرْف، عمليا، إن لم يكن دائما، بصراحةٍ، عن الخطر الاحتلالي الذي يزداد تفاقما، في فلسطين، أولاً، وفي المنطقة، مشفوعا بزياراتٍ تطبيعيةٍ متبادَلة.
وفي تفسير هذا التجاوز للسياسة الإسرائيلية المعهودة، تُجاه هجماتها المتكرِّرة على سورية، (وفق قائد الأركان المنتهية ولايته أخيرا، غادي آيزنكوت، نفَّذت إسرائيل آلاف الهجمات في سورية في عام 2018، وحده، ألقت عليها ألفي قنبلة). قد يقال إن نتنياهو بحاجةٍ إلى مراكمة مؤشِّرات نجاح واختراق، تزيد أسهمه في الانتخابات العامة المقبلة، في إبريل/ نيسان المقبل، 
هو في أمسّ الحاجة إليها؛ لصرف الانتباه، أو التخفيف من الآثار السلبية للاتهامات التي يتعرَّض إليها، بعد قرار المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، تبنِّي توصية كلٍّ من الشرطة والنيابة العامة، بتقديم لائحة اتهام ضدَّه بتلقِّي الرشوة، وخيانة الأمانة، في واحدةٍ من ثلاث قضايا فساد تمَّ التحقيق معه فيها، سيما أنه عازمٌ على عدم تقديم استقالته، بعد تقديم لائحة اتهام ضدَّه.
ولا يمكن نفيُ هذا الاعتبار. ولكن، ثمّة في السياقين، الإقليمي والدولي، ما يمكن أن يفسّر هذا السلوك الجديد، في درجة وضوحه، فبعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أضحى هدف واشنطن الأول والمعلن هو الحشد الإقليمي ضدَّ إيران، إذ قال، في خطابه الذي ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة، إن واشنطن ستعمل على "طرد آخر جندي إيراني من سورية"، مؤكِّدا أنَّ واشطن "تعمل على إقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط؛ لمواجهة أهم الأخطار في المنطقة". وأوضح أن هذا التحالف سيضم دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر. وذلك استمرارا للخط الرئيسي لسياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط، والتي حدّدها، في زيارته الرياض، في مايو/ أيار 2017، وتتمثَّل في توحيد حلفاء الولايات المتحدة ضد إيران، إضافة الى مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
ترمي هذه الحرب التي يُراد بها تحقيق ما يتجاوز احتواء النفوذ الإيراني، وإرضاء دول خليجية تلحّ على خطورته، إلى تفعيل المناخ المناسب، لتمرير إسرائيل، أو دمجها في الإقليم، قوةً مشاركة، وطبيعية. ولذلك دُعيت للمشاركة في القمة الدولية بشأن إيران التي يُعمَل على عقدها الشهر المقبل (فبراير/ شباط) في وارسو، ودعيت إليها دول عربية، منها دول عقدت معاهدة سلام مع إسرائيل، وهي الأردن ومصر، ودول لا تعترف، نظريا، بإسرائيل، ولا علاقات دبلوماسية لها معها، السعودية والبحرين والإمارات والمغرب.
وكان بومبيو قد أعرب عن سعادته للمدى الذي بلغته علاقات عربية خليجية بإسرائيل. كما أشاد في خطابه في القاهرة بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي أعجبه منه وجهُه المحارب للإرهاب، فوصفه بالشريك الراسخ في محاربة الإرهاب؛ ما يستدعي تصريحات السيسي أخيرا في مقابلته مع "سي بي إس"، والتي اعترف فيها بأن العلاقات مع إسرائيل في أفضل حالاتها، وأنَّ التعاون معها بلغ مستوى متقدِّما، غير مسبوق، وذلك بالذريعة نفسها، محاربة الإرهاب. وهو التعاون الذي كشف موقع واللا العبري حقيقته الأهم، وهي أن محاربة "داعش" كانت مجرَّد ذريعة، وأنَّ هجمات "الجيش الإسرائيلي" في سيناء كانت تستهدف محاربة تهريب الأسلحة التي تقوم بها الذراع العسكرية لحركة حماس، من داخل سيناء إلى قطاع غزة، وخلال هذه الهجمات تم تدمير أكثر من 15 ألف صاروخ نوعي قبل وصولها إلى غزة.
ومع هذه السياسة الأميركية المباشرة، في عهد ترامب، أضحت الأهداف لا تحتاج تحليلا، ولا تحتمل الظنون. يختصر ما سبق دعوةُ بومبيو المباشرة في الجامعة الأميركية في القاهرة إلى إنهاء جميع الصراعات بين دول الشرق الأوسط؛ من أجل التصدّي لما وصفه بالنفوذ الإيراني في المنطقة؛ فهل يقبل العرب هذه الذريعة؛ لإسدال الستار، عمليا، على القضية الفلسطينية والحقوق العربية؟ وهل هذا الزخم المُغالِط، بإمكانه التغطية، (وإلى متى؟) على تجاوز إسرائيل القانون الدولي، وانتهاكاتها المعلنة حتى لرؤية واشنطن (على تعاقُب إداراتها) القائمة على حلِّ الدولتين؟