لبنان بين صراعاته الداخلية ومخاطر حرب

لبنان بين صراعاته الداخلية ومخاطر حرب

20 يناير 2019
+ الخط -
بعد مرور أشهر على تعثر تأليف حكومة لبنانية جديدة، يزداد غرق لبنان في أزماته السياسية والاقتصادية المستعصية. ويظهر أكثر فأكثر أن النظام السياسي الطائفي القائم الذي يضمن التوازنات السياسية في البلد يوشك على الانهيار. يحدث هذا من دون أن تظهر في الأفق مبادرة سياسية قادرة على احتواء الأزمة التي بدأت حكوميةً، لتتحول مأزقاً للحكم، يهدد عهد الرئيس ميشال عون، وتكون قادرةً على إنقاذ البلد من الصراع الطاحن الدائر بين القوى السياسية اللبنانية الأساسية، أي المسيحيين والسنة، والقوى السياسية الشيعية التي يبدو أنها تسعى إلى تغيير التوازن القديم، وايجاد وضع يعكس القوة العسكرية الفائضة لحزب الله في لبنان، وانتصاراته في سورية والدعم المطلق الذي يحصل عليه من إيران.
وفي الوقت الذي يشعر فيه اللبنانيون بالضياع الكامل وعدم اليقين حيال ما يخبئه لهم المستقبل، ظهرت في إسرائيل تقارير استراتيجية، وتقديرات للوضع خلال هذه السنة الجديدة تجعل من خطر اندلاع حرب في الشمال أهم تهديدٍ، يمكن أن تواجهه إسرائيل في السنة الحالية.
بالطبع، لا علاقة لهذه التقديرات بالسياسة التي تنتهجها الدولة اللبنانية حيال إسرائيل، ولا بالعقيدة العسكرية للجيش اللبناني، ولا حتى بإمكانية حدوث تبدّلٍ مهم في ميزان الردع الناشئ بين حزب الله وإسرائيل، في أعقاب حرب تموز 2006. بل يعود، بالدرجة الأولى، إلى جملة تغييراتٍ بدأت تطرأ على العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي، مع تولي أفيف كوخافي رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي. ومع التبدل الذي طرأ على البيئة الجيو- استراتيجية لإسرائيل، في ظل حقيقتين أساسيتين: الوجود العسكري الإيراني في سورية؛ والانسحاب الأميركي من سورية، وتعزيز مكانة روسيا هناك.
يرى معهد دراسات الأمن القومي (الإسرائيلي) في تقدير له التهديد الأكبر الذي تواجهه 
إسرائيل هو نشوب حربٍ على الجبهة الشمالية ليست كسابقاتها، لأنها لن تنحصر في المواجهة ضد حزب الله، بل ستكون أيضاَ ضد إيران وربما ضد الجيش السوري، وقد تمتد أيضاَ إلى العراق، حيث لإيران وجود عسكري بارز. ويتوقع المعهد ألا تستطيع إسرائيل الاستمرار في تطبيق عقيدة "معركة بين الحروب" التي استخدمتها لمحاربة التمركز العسكري الإيراني في سورية، لأنها استنفدت نفسها وباتت خطرة. كما يتوقع أن يحصل حزب الله على منظوماتٍ دفاعيةٍ جويةٍ متطورة، تقيد من حرية تحرك الطيران الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية التي يستخدمها الإسرائيليون، لضرب أهداف عسكرية إيرانية، أو تابعة لحزب الله في سورية.
ليس جديداً أن يترافق، مطلع كل سنة جديدة، بظهور تقديراتٍ إسرائيلية عن مخاطر وتهديداتٍ، بعضها حقيقي، وبعضها الآخر مبالغ فيه، أو وهمي. ولكن لا يمكن عدم الأخذ بهذه التقديرات بجدّية، ومتابعتها عن قرب، لمعرفة الكيفية التي ستتعاطى القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل معها. لا سيما أن كل ما له علاقة بالخطر الإسرائيلي في لبنان يصبح أداة سياسية داخلية، ويفرغ من مضمون خطره الحقيقي على أمن البلد.
يمكن أولاً القول إن الحرب التي يتوقع المحللون الإسرائيليون حدوثها على الجبهة الشمالية مؤجلة على الأقل إلى ما بعد انتخابات الكنيست الإسرائيلي في أبريل/ نيسان المقبل. من بعدها، ستأتي فترة المشاورات الائتلافية وتشكيل الحكومة الجديدة، حيث سيكون الجميع مشغولاً بأمور كثيرة أخرى، غير التحضير لحرب محتملة.
بالإضافة إلى ذلك، تدل تجربة السنوات الماضية على أن إسرائيل تجنبت أي مواجهةٍ عسكريةٍ 
مباشرة مع إيران، لعلمها أن إيران قادرةٌ على ضربها، انطلاقا من لبنان وسورية والعراق، وحتى من إيران نفسها بواسطة الصواريخ البعيدة المدى، بينما أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد الأراضي الإيرانية ستكون محفوفةً بالمخاطر، ويشكل هذا نقطة تتفوق فيها إيران على إسرائيل، في أي مواجهةٍ عسكريةٍ مقبلة.
من ناحية أخرى، من الصعب حدوث تطوّرٍ خطير خلال السنوات المقبلة في المشروع النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل خطراً وجودياً عليها، وذلك في ضوء أمرين: الامتثال الإيراني الصارم لبنود الاتفاق؛ واستمرار التمسّك الأوروبي به، حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة منه.
والمقلق في التقديرات الإسرائيلية بشان مخاطر نشوب حربٍ في هذه السنة على الجبهة الشمالية هو حالة عدم اليقين السياسي في لبنان التي ليس في استطاعة أحدٍ أن يتكهّن، بصورةٍ أكيدةٍ، إلى أين ستؤدي، وفي ضوء محاولة حزب الله فرض قواعد جديدة للعبة السياسية في لبنان.

دلالات

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر