فرصة زواج أخيرة

فرصة زواج أخيرة

16 يناير 2019
+ الخط -
عالمٌ شائكٌ وغامضٌ هو العالم الذي تعيش فيه المرأة والرجل تحت مظلة المجتمع، المجتمع الذي يراقب ويعاقب، والذي يزن ولا ينصف، والذي يحكم ولا يقدر. ولذلك، تجارب الزواج الثانية بالنسبة للرجال كثيرة ومتعدّدة، وبتصريح مفتوح يُساء استغلاله من الشرع، وظالم ومجحف ومقيد بالنسبة للنساء، لأن عليهن التضحية حتى النهاية، والرضا بالنصيب الأول، والبقاء كأراضي الأوقاف التي لا يجوز التصرّف فيها، وبالعامية الموجعة مثل "بيت الوقف"؟
مناسبة إزالة الستار عن هذه المفاهيم والسلوكيات هي ما نقلته صديقة لي، في منتصف الأربعينات من عمرها، عن إقدامها على الزواج مرة ثانية، بعد طلاقها من زوجها الأول. وكنت أشفق على وحدتها بعد وفاة والديها، وحاجتها لكي تهرب من لقب المطلقة صائدة الرجال أولا، وأن تملأ حياتها بإنسانٍ تشاركه ويشاركها التفاصيل الصغيرة اليومية التي لا معنى، ولا طعم، ولا لون لها، لإنسان وحيد، إنسان لا تتقاسم معه نجاحاً أو إخفاقاً تمرّ به، بل حتى تتجاذب معه أطراف الحديث أمام شاشة التلفاز وأحداث العالم المجنونة.
كانت تشعر بالوحدة القاتلة، تلك الوحدة التي تحولت إلى رعب، بأن يعثروا عليها جثة هامدة على سريرها ذات يوم، بعد أن تفوح رائحتها. أرعبتني عن بعد تلك الفكرة التي تعبّر عما تشعر به صديقتي، خصوصا أن الأمل في أن تصبح أماً يكاد يكون ضعيفاً. ولذلك أسعدني هذا الخبر إلى درجة أنني لم أسأل عن ظروف الزوج، وتحفظي على أن تكون زوجةً ثانيةً لأن رأيي ثابت في هذه الحالات، وهو تخوفي من أن تكون مجرد نزوةٍ في حياة رجلٍ يملك زوجة أخرى وأولادا، وحياة أخرى قرّر أن يغير نمطها، ثم سرعان ما يعود إليها، فرجالٌ كثيرون يرون أن تجربة الزواج الثاني لن يخسروا شيئا من خلالها، فيما تخسر المرأة الكثير بالمجازفة بالزواج ثانيةً بعد طلاقها.
الزواج الثاني بالنسبة للرجل يدخل في باب أقل الخسائر، وتغفر له زوجته الأولى نزوته، حين يعود صاغرا إليها وإلى أولاده، فيما يرى علماء النفس أن الرجل لا يعترف بأنه بحاجةٍ لامرأةٍ ثانيةٍ في حياته بقدر ما يحاول إظهار عيوب الزوجة الأولى ليتزوّج ثانية، فيما تبرير المرأة بحاجتها لرجلٍ في حياتها يعتبر جريمةً، ويعاقبها عليها المجتمع بمصمصة الشفاه، وبأنها امرأة خطرة على مجتمع الأزواج والزوجات، لأنها ظفرت برجل للمرة الثانية.
ويرى علماء النفس أن زواج المرأة مرة ثانية يحسّن من نفسيتها، ومن تعاملها مع الشريك، متجنبةً أخطاء الماضي. وكذلك الأمر بالنسبة للرجل، ولكن المجتمع هو السبب الأول في فشل هذا الزواج، وعدم استمراره، ومحاسبة الرجل على أنه تجرّأ وتزوج بمن سبق لها الزواج، كما أن المرأة تبذل جهداً نفسياً كبيراً، لكي ينجح هذا الزواج، حتى لو تحولت إلى قيدٍ في عنق الرجل الذي لا يحب القيود، فهي تخاف من أن تصحو من حلمها الاضطراري، أمام راية استسلامٍ تعني أنها امرأةٌ فاشلةٌ أمام الجميع، وحتى أمام نفسها مهما حاولت أن تتخلّى عن كل حساسيات الزواج الأول، وتغربل هفواته فيه، لكي تستمر مع الزوج الثاني، فالمرأة بطبعها تقبل التنازلات، ولذلك هي تمتلك كلمة السر بيدها، لكي ينجح الزواج الثاني فيما يخوضه الرجل، وهو يقوم بدور الأسد ملك الغابة غالبا وللأسف.
وضعني خبر زواج صديقتي الثاني أمام واقع حياتي لأم ربّت أولادها بلا أب، وتهرب من فكرة مرعبة، كالتي لاحقت صديقتي، وجعلتها تمتلك الشجاعة لتتزوج ثانية. وهذه الفكرة أن الأولاد سينفضّون من حولي يوما، وأصبح وحيدة أيضاً. وكلما تمرّ هذه الفكرة بخاطري تشعرني بالحزن والأسى على النساء الوحيدات اللواتي يضنّ عليهن المجتمع بشريك جديد، بعد تقدمهن في العمر، وبعد تجربة زواج أولى انتهت بالطلاق أو وفاة الشريك. ولذلك، لا يمكن وصف سعادتي وصديقتي التي تكسر ذلك التابو المقدس بأن المطلقة ستفشل للمرة الثانية، وكأنها السبب في فشلها في الأولى.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.