الأحزاب المغربية وأزمة الثقة

الأحزاب المغربية وأزمة الثقة

15 يناير 2019
+ الخط -
تعيش الأحزاب والهيئات السياسية المغربية في أصعب الظروف وأحلكها، وتعاني من غياب الدعم الشعبي لها، بل ويتجه الشعب نحو القطيعة معها، بشكل يصعب لهذه الأحزاب فهم ما يحدث وما يقع.
وتعود أسباب عدم الفهم إلى غياب الأحزاب عن مواقعها الشعبية، بل وتخلي بعضها عن القواعد، حيث لا يزور قادتها مواقعهم إلا في فترة الانتخابات، أو أية استحقاقات لها أهمية بالغة للأحزاب.
في اللقاءات الحزبية، وعلى الرغم من الاستنفار الإعلامي، تملأ قاعات التجمعات فقط بالأطفال والنساء. وغالباً ما يردد الحضور شعاراتٍ لا علاقة لها بالحزب. وهذا يدل على المأزق الكبير الذي وصلت إليه الأحزاب الوطنية. وقد يستثنى حزب العدالة والتنمية، إذ ينجح عادة في استنفار قواعده، لكنه أصابه الفتور، وباتت قواعده تنسحب وتبحث عن مواقع لها بعيداً عن حماسة زائدة لم تزد الحزب إلا تباعداً من قواعده، مع استمرار قيادة الحزب في ترسيم خطط للاستمرار في الحكم، على الرغم من ضعف الأداء، وكثرة الانتقادات التي توجه إلى قادة الحزب التي عادة ما تمس سلوك بعض قادته.
يصر مناضلو الحزب على تصوير ما يقع في دهاليز الحزب بأنه مؤامرة خارجية، ولا يغيب عن أذهانهم مأزق اليسار المغربي، وكيف تم تفكيكه. لكن المقارنة تبقى مفضوحة، بل لا مقارنة مع وجود الفارق، فاليسار الريديكالي كان في أوج قوته، والنظام السياسي استغل الخطاب السلفي المناهض للتيارات التقدمية. وفعلاً، أسهمت جماعات وحركات إسلامية، باستثناء جماعة العدل والإحسان، في مواجهة اليسار والحركات النقابية.
يمر حزب العدالة والتنمية بأخطر أزمةٍ قد تعصف بتماسكه، ولن تمر احتجاجات مناضليه ضد تصرف قيادة الحزب في قضايا، منها محاكمة حامي الدين المتهم بقتل طالب يساري، وهي المحاكمة التي تجري أطوارها في إحدى محاكم فاس. كذلك سلوكات بعض نشطاء الحزب الذين اتهموا بالازدواجية في السلوك.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية يعاني من أزماتٍ حادة قد تعصف بتماسكه، فإن أحزاباً أخرى تعاني في صمت، ومنها من ينتظر إعلان موتها، أو نهايتها السياسية، لكن التجربة الحزبية المغربية لا تعرف موتاً، ونهاية، وإفلاساً لحزب ما، بل يظل الحزب حياً حتى لو بقي حبراً على ورق. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يعد حزب التقدم والاشتراكية أقل الأحزاب وجودا في الساحة، ومخاطبيه قلة. ولكن في الخريطة الرسمية يشارك الحزب في الحكومة، ويملك قوة نافذة وسط التحالف الحكومي. وهذا لا يستغرب على مثل هذا النوع من الهيئات الضعيفة التي لا تستند على قاعدة شعبية، بل تكون مدعومة من اتجاهات ترى في وجودها ضرورة لبناء نوع من التحالفات المتحكم فيها.
تستمر الأحزاب السياسية في المغربفي فقدان قاعدتها الشعبية، والتفكك يهدد عديدا منها. وحالة حزب الاستقلال الذي يظل منهمكاً في ترتيب بيته الداخلي الذي أنهكته الصراعات المناطقية والجهوية، وهو الحزب الذي فقد بريقه، بعد القطيعة مع القيادات التاريخية، بعد سيطرة قيادات قليلة الخبرة، وذات ممارسات سياسية "بسيطة".
يسير الواقع الحزبي في المغرب نحو فقدان هذه الأحزاب قواعدها. وفي المقابل، تحاول هيئات أخرى كسب معركة الشارع لصالحها، فلا أحد يتكهن بواقع الممارسة الحزبية، فبين أحزاب تنخرها وضعيات عدم الاستقرار الأخلاقي، وأحزاب تواصل البحث عن موقع قدم وسط شارع مل الشعارات، تغيب الأيديولوجيا، وتنهار القيم السياسية الوازنة التي كانت تجعل المواطن البسيط يحلم بتغييرٍ يأتي على أكتاف أحزاب مناضلة، لكن الواقع السياسي يكشف أن أحزابا كثيرة اهتمت فقط بإيجاد موطن لها في حكم ديمقراطي، يسعى إلى التغيير بآليات لا شعبية.
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
محمد الأغظف بوية (المغرب)
محمد الأغظف بوية (المغرب)