الملك هو الملك

الملك هو الملك

14 يناير 2019
+ الخط -
يُقدم الفنان الفلسطيني، سامي ستوم، رائعة من روائع الأداء المسرحي في مسرحية "الملك هو الملك" للراحل، سعد الله ونوس. تدور أحداثها حول قصة ملك ضجر بحكمه وسلطانه وقوته، فيُقرر هو ووزيره أن يتنكرا في البحث عن الترفيه والتسلية بين عامة الناس. 
يلتقي الملك، في أحد الأيام، بأحد الرجال، وهو قد سبق له أن كان تاجراً، لكنه أفلس وأصبح يقضي وقته بين الهذيان وشرب الخمرة، وتراوده فكرة أن يكون ملكاً، فأراد الملك أن يُحقق له أمنيته ويلبسهُ ثوب الملك، ويجعله ملكاً ليوم حتى يضحك على هذا المشهد.
تقلّد الرجل المخمور ملابس الملك، وألبس صبيه لباس الوزير، وبدأ الجميع أمامه صغارا حتى حارس القصر وخادم الملك، لم يشعروا بتغير الملك، لعدم قدرتهم على رفع رؤوسهم، ورؤية شكل الملك وملامحه: هل تغيرت أم أن ملابس الملك توحي بأنه الملك؟
تصوّر الملك الحقيقي أن هذا الهذيان انقلب إلى حالة جدية، فقرّر أن يُنهي المشهد سريعاً، فأراد من وزيره أن يكشف اللعبة أمام الرجل المخمور، ولكن الملك تدارك الموقف وأرسل إلى زعيم الجند، وقال له إن هذا الرجل يُريد أن يُطيح حكمي، ويُحيك مؤامرة ضدي فاقطع رأسه، إذ رسّخ الملك فكرة أن "الملك هو الملك".
يتجسّد الواقع التنكري في تلك المسرحية التي توحي بإيماءات سياسية، تتجسد معالمها في شخصيات فلسطينية، أجادت اللعبة السياسية على أنها الملك، وأن ما حولها هم الرعاع الذين ينتظرون فتات الملك وخيراته وحسناته.
ربما تتزامن حالة الهزل المسرحي بمسرحية الملك هو الملك بواقع سياسي مماثل في أرضنا الفلسطينية، مع اختلاف النهج والممثلين، ولكن الطاغي على الموقف الفلسطيني هو صناعة الملك الذي فضّل أن يتحكم بالحكم من خلال ديكتاتورية الجغرافيا، وإضفاء شرعية جديدة لملكه وحُكمه، عن طريق التفرد بصناعة السياسة التي تُمكنه من الحكم أطول فترة ممكنة، فنحن نعيش على عتبات الانقسام السياسي بين شطري الوطن، ونُطالب بإجراء انتخابات جديدة لاختيار ملك جديد. ولكن الواقع يقول إن الانتخابات أخيرا أفرزت حالة لم يتم التعايش معها دولياً، في حين أن المجتمع رفض الحالة القديمة التي وصفت، في ذلك الوقت، بمجموعة من الفاسدين، فلماذا الانتخابات، وما هي الإفرازات الجديدة التي يطمح لها المواطن في غزة، لا يوجد بديل عن الحالتين، سواء حالة الفاسدين من وجهه نظر المواطنين، أو حالة المرفوضين دولياً وإقليمياً.
نحن أشبه بذلك الواقع الذي عاشه رجل النوادر، جحا، عندما اشترى عشرة من الحمير، عندما يركب أحدهم ويعدها يجدها تسعة، وعندما ينزل يُعيد العد يجدها عشرة، ففضل أن يمشي على قدميه وتبقى حميره عشرة، وألا يركبها وتصبح تسعة. فصائلنا ليست أفضل حالاً من جحا، فهي لا تريد أن تتوافق على رؤية جديدة وملك جديد يُجيد الحسابات الدولية والإقليمية والعربية، ويُخرجها من دوامة الانقسام.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)