أفريقيا في العين الإسرائيلية

أفريقيا في العين الإسرائيلية

14 يناير 2019
+ الخط -
استطاعت إسرائيل استحضار حليفٍ قويٍّ في إطار العلاقات الدولية، فكانت بريطانيا وفرنسا الدولتين الأوروبيتين الداعمتين لها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً حتى عدوان يونيو/ حزيران 1967، وكان التوجه بعد ذلك إلى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 إلى النفاذ إلى القارة الإفريقية، وبناء علاقات متشعبة مع دولها، بغية إعطاء انطباع دولي بأن دولة الاحتلال طبيعية كبقية الدول. وثمة أسباب إسرائيلية كامنة لبناء علاقات مع دول القارة الإفريقية، في المقدمة منها الأهمية الإستراتيجية لتلك الدول، وخصوصا حوض النيل، بغية استغلال مياهه من جهة، والضغط على مصر والسودان، وابتزازهما سياسياً من جهة أخرى، وهناك دوافع إسرائيلية اقتصادية للاهتمام بدول أفريقيا لما تحتويه من موارد طبيعية، مثل الماس والذهب والخشب والنفط الذي يتركّز بشكل أساسي في نيجيريا وأنغولا، فضلاً عن إمكانية جعل إفريقيا الذي يصل عدد سكانها إلى مليار ومائتي مليون نسمة سوقا استهلاكيا للصادرات من السلع الإسرائيلية.
وفي الوقت التي تراجعت فيه أرقام الهجرة اليهودية من أوروبا وأميركا إلى فلسطين المحتلة، اهتمت المؤسسات الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين بيهود أفريقيا، حيث يوجد عدد كبير منهم في كل من إثيوبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وكينيا. وتسعى إسرائيل إلى تهيئة الظروف لاجتذاب الآلاف منهم، واستغلال من تبقى للضغط على الدول الأفريقية، واستمالتها لدعم إسرائيل في المحافل الدولية، لإسقاط مشاريع القرارات الدولية التي تدين الممارسات والسياسات الإسرائيلية الاحتلالية، حيث لإفريقيا ثقل كبير في المنظمة الدولية.

وتمكّنت إسرائيل من بناء علاقات متشعبة مع دول كثيرة في إفريقيا، بالاعتماد، بشكل أساسي، على مشاريع المركز الدولي للتعاون، بغية نقل المعلومات التكنولوجية وتنمية الموارد البشرية. وتهدف النشاطات إلى تعزيز القدرات المهنية من خلال الدمج بين البعدين، النظري والعملي، والدمج بين البحث العلمي وتطبيق المشروع على أرض الواقع، وتكييف تكنولوجيات جديدة لتلبية أولويات التطوير في تلك الدول، عبر التعاون مع وزاراتٍ مختلفةٍ، ومعاهد مهنية وأكاديمية ومراكز بحث في إسرائيل.
ويعمل "المركز الدولي للتعاون" بالشراكة مع دول أفريقية، يمر اقتصادها بفترة انتقالية لمواجهة التحديات التنموية في مجالاتٍ، مثل الحد من الفقر، تقديم الخدمات الصحية الأساسية، ضمان الغذاء، التربية في سنوات الطفولة المبكرة، مكافحة التصحر، تحقيق المساواة بين الجنسين، شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتطوير متكامل للمناطق الريفية.
ويلحظ المتابع للشأن الإسرائيلي أن العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية شهدت تحولاتٍ عديدة منذ عام 1948، فتوالت اعترافات الدول الإفريقية بإسرائيل حتى بلغت ذروتها في عام 1963، حيث تمّ افتتاح 23 سفارة إسرائيلية في أفريقيا، وتراجعت تلك العلاقات بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في يونيو/ حزيران 1967، ما لبثت أن تحسنت بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات القدس المحتلة عام 1977، لكنها لم تلبّ الطموحات الإسرائيلية. والثابت أن اتجاهات تطور العلاقات الإسرائيلية - الأفريقية ارتبطت، بشكل وثيق، بمنحى الصراع العربي - الإسرائيلي، فالمقاطعة الدبلوماسية الأفريقية لإسرائيل، في السبعينيات ومعظم سنوات الثمانينيات، ثم العودة السريعة لهذه العلاقات، منذ بداية عقد التسعينيات، ارتبطت بحدثين مهمين، أولهما حرب أكتوبر 1973، والثاني انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في نهاية عام 1991، فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير 
الفلسطينية وإسرائيل الموقع في 1993، والذي سرّع تراجع دول أفريقية عديدة عن تعاطفها ودعمها للقضية الفلسطينية. واستثمرت إسرائيل في ذلك، لتعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية وتوسيعها، وقد استطاعت بناء علاقات مع 45 دولة أفريقية حتى نهاية العام الماضي 2018. في ظل الاستراتيجية التي عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، والقاضية بتوجيه سياسته الخارجية لتحقيق هدف التغلغل في أفريقيا، وتقوية العلاقات الإسرائيلية مع دول أفريقية عبر البوابة الاقتصادية، بواسطة خطة لتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين؛ دعت الحكومة الإسرائيلية الشركات المحلية إلى استغلال الموارد، وتوسيع صادراتها إلى أفريقيا. وتبعاً لذلك، قام نتنياهو في يوليو/ تموز 2016، بجولة أفريقية واسعة، تضمنت أثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا، وقدم وعودًا حينها بدعم مشاريع التنمية وتحديث الزراعة والتحوّل التكنولوجي والتعليم والصحة والثروة الحيوانية في دول أفريقية. وتعمل وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، من خلال عدّة قنوات، لإيجاد صيغ تعامل وعلاقات جديدة في أفريقيا، منها افتتاح ملحقتين تجاريتين إضافيتين لوزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية في عاصمة غانا، أكرا، وفي نيروبي وفي كينيا، إضافةً إلى الملحقية التجارية القديمة في جنوب أفريقيا. وفي حين تجاوز مجمل التصدير الإسرائيلي عام 2017 سقف المائة مليار دولار، إلا أنّ مجمل تصدير الشركات الإسرائيلية إلى أفريقيا لم يتجاوز حاجز المليار دولار، أي أقل من 1% من إجمالي الصادرات الاسرائيلية. ويحظى توسيع رقعة العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية باهتمام كبير، بل بأولوية كبيرة بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي يبذل جهودًا حثيثة لتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع الدول الإفريقية، وخصوصا مع الدول التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في عقد السبعينيات.
وبشكل عام، تريد إسرائيل من علاقاتها مع الدول الإفريقية تحقيق ثلاثة أهداف: توسيع رقعة علاقاتها الدبلوماسية مع هذه الدول، فتح أسواق جديدة للشركات الإسرائيلية، وكسر تأييد تلك الدول فلسطين في مؤسسات الأمم المتحدة، في حين تأمل الدول الإفريقية أن تسهم علاقاتها مع إسرائيل في الحصول على المعرفة الأمنية والتكنولوجية والزراعية الإسرائيلية.