الكنيست يحل نفسه

الكنيست يحل نفسه

13 يناير 2019

جلسة للكنيست الإسرائيلي (26/12/2018/فرانس برس)

+ الخط -
بعد مرحلةٍ قصيرةٍ تخللها شد وجذب بين بنيامين نتنياهو وزملائه في الائتلاف الحكومي، قرر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أنه في حاجة لحل نفسه، وانتخاب هيئةٍ تشريعية، وكنيست جديد، وهذا القرار هو، بشكلٍ ما، انتصارٌ لرأي أفيغادور ليبرمان الذي ترك منصب وزير الدفاع، وخرج حزبُه من الحكومة، اعتراضاً على اتفاق نتنياهو مع حركة حماس على وقف إطلاق النار بعد سلسلة هجمات إسرائيلية على غزة، وكان ليبرمان يرغب بتطوير الهجمات واستمرارها أطول مدة ممكنة. 
لم يصمد الاتفاق بين نتنياهو وشركاء آخرين على استمراره رئيساً للوزراء، إذ أعلن نفتالي بينيت خروجه من الحكومة، ولم يبق أمام نتنياهو الذي فقد أكثريته إلا الاستسلام والإذعان لمطالب تجديد الكنيست، وهذا بحد ذاته تهديدٌ جديدٌ لمنصبه، فالرجل مطلوبٌ للتحقيق في قضايا فساد قد تطيحُه إحداها، أو قد تجعله جلسات التحقيق الطويلة يترنّح، ويفقد منصبه لصالح أحد النجوم الجدد، وقد وعد رئيس حزب العمل، آفي غباي، بأنه سيكون رئيس وزراء إسرائيل المقبل، معتمداً فيما يبدو على تناقضات اليمين واستغراقه في صراعات حزبية، كما أعلن نفتالي نفسه تشكيل حزب جديد، وفي نيته المنافسة على المنصب ذاته، فيما تصرّ استطلاعات الرأي على أن نتنياهو سيعود إلى الكرسي في أية انتخابات مقبلة.
تبدو الأحزاب الإسرائيلية، منذ تأسيس الكيان، حائرةً بين ركائز إسرائيل الدينية وتطلعاتٍ ذات طبيعة علمانية وحضارية بعيدة عن التدين، تنجح أحياناً وتسقط في أحيان كثيرة. واحدة من تلك السقطات التي تظهر الجوهر العدواني المتعصب لدولة إسرائيل أنها لم تلتزم بوقفٍ لإطلاق النار مع تجمع سكاني يعاني من الفقر والحصار، وأنها مستعدّة أن تبتر دورتها التشريعية في مقابل خلاف يميني يميني على تفصيل صغير في قائمةٍ تعج بما هو أهم، فيما يتراجع دور الجهة التي تلعب دور اليسار بشكل درامي، فحزب العمل لا يكاد يتجاوز عتبة العشرين مقعداً، أما حزب ميرتس (اليساري المنفتح على العرب) فاضمحل بشكل سريع، وانخفض تمثيله بما يهدّد وجوده.
وصل بعض العرب إلى الكنيست الإسرائيلي، واستخدموا مكبرات الصوت لتأكيد وجهة نظرهم، من دون الاستناد إلى قدرة حقيقية على التغيير، فلطالما اصطدمت مقترحاتهم مع كلاسيكيات بنود التوراة التي تحكم السياسة الإسرائيلية، وتهيمن على توجهاتها العامة، لكنهم (العرب) سجلوا بعض النقاط العلمانية الملحوظة، كالقدرة على إيصال حنين الزعبي إلى الكنيست، وهذه نقطة تُحسب لصالح التجمع الوطني الديمقراطي، وهو حزبٌ انضوى مع أحزاب وحركات عربية أخرى ذات توجهاتٍ مختلفة تحت اسم القائمة المشتركة، والتي حققت حضوراً طيباً، فنالت المركز الثالث من حيث عدد المقاعد، ولكنها بالطبع بقيت خارج الحكومة، ومارست دوراً معارضاً من خلال التصريحات فقط.
لا تعني حيرة الأحزاب الإسرائيلية في تحديد هويتها بدقة بأن إسرائيل غير متوازنة، فهي، ومنذ اليوم الأول لوجودها، كيانٌ يسوق إعلامياً لمظلوميةٍ تاريخيةٍ، ويبالغ في تفاصيلها، ويبني قدرةً عسكريةً هائلة بناءً على قصة المظلومية تلك، ويحرص على أن تبدو تحرّكاته العسكرية من باب رد الفعل، بما يضمن له دائماً التبرير المحلل من اللوم، وتحاول الحكومات المتعاقبة، والخالية بالطبع من التمثيل العربي، تحقيق هذه السياسات العامة، فيما يحاول العرب أن يصلوا إلى أكبر تجمع ممكن داخل الكنيست، وهي الطريقة الوحيدة ليكون صوتُهم عالياً بقدرٍ كاف. ولذلك كانت القائمة المشتركة عنواناً مناسباً لحضورٍ عريضٍ أمَّن دخول 13 عضواً عربياً إلى الكنيست، ولكن صيغة القائمة الحالية مهدّدة، لعدم وجود قاعدة عقائدية مشتركة، فالأحزاب خليط من مرجعياتٍ إسلاميةٍ وقوميةٍ ويساريةٍ قد تنشأ عوامل تنافر بينها تفوق الهدف الأساسي، وهو مواجهة إسرائيل من الداخل، والدورة الانتخابية الحالية للكنيست مرشّحة لتستنسخ سابقتها لنشهد هيمنة يمينية وقومية ودينية، مع انحسار يساري ووجود عربي غير فعّال.