سلاطين الانقسام

سلاطين الانقسام

11 يناير 2019
+ الخط -
دخلت البيت في وقت متأخر بعد يوم عمل شاق، بعد أن تم الإعلان عن إغلاق معبر رفح وانسحاب موظفي السلطة الفلسطينية منه، وجدت أطفالي في حالة حُزن شديد، وبقايا دموع مرسومة على وجوههم بعد بكاء طويل، فأيقنت أن الأمر خطير، سألت عن السبب، فكانت المفاجأة، أن زوجتي أبلغتهم أن جدتهم لن تتمكن من العودة من رحلة علاجها من مصر في الوقت المقرر لها، بسبب تخوفهم من إغلاق المعبر، فهي سافرت لتتلقى قسطاً من العلاج، وما يخشاه الصغار هو تأخر وصول الهدايا لهم من مصر، بعد أن حققوا نجاحاً مُبهراً في امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول.
بالتأكيد لا يعي كثيراً سلاطين الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة معنى تلك الشعور، أن تجد أطفالاً يبكون بسبب إغلاق معبر رفح، لأنه يُمثل لهم هدفاً قد يُحقق أهدافهم الصغيرة، وتتمكن هداياهم من العبور الى أرض القطاع المحاصر، ويتمكنوا مجدداً من رؤية جدتهم بصحة وعافية.
ولكن نحن قد دخلنا عام 2019، بالقدم اليسرى، وبذلك نكون قد دخلنا إلى 12 عام من الانقسام السياسي والجغرافي بين حُكام الضفة الغربية وحُكام قطاع غزة، و12 عام أخرى على فشل الوصول للمصالحة ما بين ما يُعرف بحركات التحرر الوطني والفصائل الفلسطينية، فقد افتتحت الفصائل الفلسطينية المتناحرة على المستقبل السياسي المظلم للشعب الفلسطيني العام الحالي، بمزيد من حالة التشرذم والتراشق الإعلامي، وإصدار تصريحات التخوين الوطني، وكشفت تلك الفصائل عن مستقبل العام 2019 بأنه لن يكون أفضل من سابقيه، بل مزيداً من الانقسام وتمهيداً للانفصال، وغياب الرؤية الوطنية لتحقيق المصالحة.
واضح أن عام 2019 سيكون عام الحسم السياسي للسلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة، بعد أن بدأ الرئيس محمود عباس بسلسلة من الإجراءات التي تهدف لتقويض سلطة حركة حماس في قطاع غزة، من خلال حل المجلس التشريعي الفلسطيني بقرار من المحكمة الدستورية، ومن ثم سحب موظفي معبر رفح من عملهم، وربما تشهد الأيام المقبلة سيلاً من التهديدات وتنفيذ وعودات بتطبيق الإجراءات العقابية التي تنتهجها السلطة الفلسطينية منذ عامين ضد قطاع غزة وحركة حماس.
أصبحنا الآن نُدرك حجم الخطر الحقيقي المُحدق بالقضية الفلسطينية، ومشروعها الوطني، فنحن لسنا بحاجة إلى مصالحة بل إلى إنهاء الانقسام أولاً ومن ثم البحث عن المصالحة، وإن لم تتحقق فلن يكون أمراً هاماً لأن المصالحة بالمفهوم الفلسطيني هي المحاصصة السياسية بين الفصائل والأحزاب.
نحن نعيش في زمن سلاطين الانقسام، وهؤلاء يواصلون عنجهيتهم في التمرّد على طبقات الشعب من خلال استثمارهم في مشروع الانقسام لصالح مصالحهم الخاصة والضيقة.
حان الوقت لكي تقولوا لأنفسكم يكفينا ويكفيكم مُهاترات بحياة الشعب ومغامرات سياسية فاشلة، يكفينا 12 عام ونحن نعيش في حقل تجارب سياسية، جميعها فشلت في أن نركع لأحد أو نكون عبيداً لدى أحد، حماس لم تنجح بأن تُأسلم غزة، وفتح فشلت في إقناع الشارع بالتمرد على حماس، والشعب نجح في اكتشاف مشاريعكم وطبيعة تفكيركم، أعيدوا حساباتكم واجلسوا سوياً لأنه لم يَعد في الوسع أن يُفكر أحدكم بعيداً عن الآخر.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)