عصا موسى

عصا موسى

02 يناير 2019

(سبهان آدم)

+ الخط -
ليس غريباً، ولا جديداً، خبر القبض على ساحر كبير في منطقةٍ فقيرةٍ مكتظةٍ بالسكان، لكن الغريب أن يوصف هذا الشخص بأنه ساحر، والصحيح والأجدر به أن يوصف بأنه محتال، فهو قد استخدم الحيلة ليخدع البسطاء، وليس البسطاء فحسب، لأن الأغنياء وعلية القوم يتوجهون إلى مثل هذا الشخص، ويطرقون بابه، بحثا عن حل لمشكلاتهم، ويخجلون بالطبع من طرق باب عيادات الطب النفسي، لأن ثقافة المجتمع الضيق لا تستسيغ أن يوصف شخصٌ ما بأنه مريضٌ نفسي، أو أنه قد لُمح يدلف إلى باب عيادة طبيبٍ يعاني من قلة مرضاه، فيما يتدفق الناس عشراتٍ على أبواب مثل هذا المحتال، ويحتاجون حجز المواعيد، ويشعرون أن الحظ قد حالفهم، لأنهم حصلوا على موعدٍ قريب في مقابل أجرة كشف مضاعفة، على الرغم من فقر معظمهم، إلا أنهم لا يتردّدون عن التردد على هذا المحتال، والعمل بنصائحه، والسير معصوبي الأعين خلف طلباته الغريبة التي كلما أوغلت في الغرابة باتت تحظى بقبول، وأمل في العلاج وحل المشكلات. 
القبض على "ساحر" في منطقة ضيقة مثل غزة بعد أن زاول عمله عامين، وهو يتقاضى أموالا طائلة من الناس، بغرض فكّ أسحارهم، أو تدبير السحر لهم، لكي يتخلصوا من أعدائهم، أو من يكنّون لهم الكراهية والحقد، وتشتعل نار الغيرة في صدورهم منهم، فحسبما ورد، في التحقيقات معه، فهو تقاضى مبالغ كبيرة مقابل أن يمنع حمل سيدةٍ أو يسقط جنين سيدة أخرى. وهذا الاعتراف يعني أن المشعوذ، أو المحتال، استطاع أن يستغل ضعف النفوس، وما يعتمل بها من مشاعر سلبية نحو الآخرين جيدا، فهو لم يكن لينجح في العمل عامين، وتكوين ثروةٍ، إلا بسبب ما يدور بين الناس من مشاعر لا تحمل الود ولا حب الخير، فهل الأجدر أن يتم القبض على المحتال، أم على من توجهوا إليه، وأرادوا الشر بالآخرين، حتى لو لم يتحقق لهم ذلك، فكل أساليبه حيل ونصب، لكنهم أضمروا العداوة، وتمنّوا في دواخلهم أن يتم المراد مهما كلفهم من مال.
لا يمكن أن يطلق على أمثال هذا المحتال إلا نعت مشعوذ، ولن يحمل لقب ساحر؛ لأن السحر انتهى بانتهاء الأنبياء، ولأن السحر أيام النبي موسى كان مخصّصأ له كمعجزة، وليس لسحرة فرعون الذين سجدوا لرب موسى، حين أيقنوا أن تحويل عصاه إلى حيةٍ تسعى، كان حقيقةً، وليس خداعا للعيون، أو استغلالا لمادةٍ معينةٍ، صنعت منها عصيهم، بحيث تبدو صلبةً مستقيمةً في أيديهم، وبمجرّد أن يلقوها على الأرض وتمسّها حرارتها، ووقت اجتماعهم مع موسى، لإظهار كذبه، حسب ادعاء فرعون، كان في وقت الضحى حيث تكون الحرارة مرتفعةً في الأجواء. وبالتالي، تحولت مادة العصي رخوةً، استطاعوا تحريكها، وجعلها تتلوى في أيديهم، فالأمر بحد ذاته استغلال لخاصية علمية، أما سحر موسى فكان حقيقة لأنه من رب العباد.
في رواية يحيى حقي "قنديل أم هاشم"، عاش الناس في معتقد أن الزيت المتجمّع في قنديلٍ شافٍ للأمراض، ولم يتردّدوا في استخدامه لعلاج عيون مرضاهم، والعين هي أدق أعضاء الإنسان وأغلاها، لكن إيمانهم بمعتقد جعلهم لا يتردّدون في استخدامه. وحين حاول الطبيب، إسماعيل، العائد من بلاد الفرنجة، أن يغير معتقدهم، بل وحطم القنديل ثاروا عليه، لأنه استخدم المنهج الخاطئ في التصدّي لمعتقدٍ متوارثٍ منذ سنين طويلة، ولم يستخدم التدرج، ولا الحيلة، لتغيير هذا المعتقد. ولذلك فتغيير معتقدات الناس لن يحدث في يوم وليلة.
عقاب المحتال والمشعوذ أمام الناس، وإقامة حد الحرابة عليه ليس كافيا، لأن غيره سيخرج من ظهرانينا ليدّعي مقدرته على فك المربوط، والصلح بين الزوجين، وتزويج من فاتها قطار الزواج، فالأمر لن ينتهي، لأن القضية ثقافة مجتمعية، كما أن ضعف النفوس وعدم الإيمان بالنصيب والقدر، وبأن مشكلات الإنسان لن يحلها سواه، ستمد طريق المشعوذين إلى ما لا نهاية.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.