إدلب اختبار كيميائي جديد

إدلب اختبار كيميائي جديد

09 سبتمبر 2018
+ الخط -
يقول المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، إن لديه ما يفيد بوجود تحضيرات لهجوم كيميائي وشيك في سورية. جال التصريح على ألسنة مسؤولين كثيرين في أميركا وأوروبا الغربية خلال الأسبوعين الأخيرين، عندما ظهرت بوادر استعدادات الهجوم على إدلب، أما روسيا فبقيت على موقفها، وقد تكون حازت الأسبقية بذكرها مؤامرةً كيميائيةً يتم الإعداد لها..
يبدو الهجوم الكيميائي في هذا السجال أساسيا، تحذّر منه أميركا وحلفاؤها، وتتهم روسيا بدورها منظمات معارضة بمحاولة تمثيله، والحديث الكيميائي هنا يجري عن آخر مناطق المعارضة التي تسيطر على معظم مساحة محافظة إدلب، وجزء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الشرقي، مع حدود طويلة مع تركيا، وهو منفذٌ مهم يمكن أن يؤمّن حياة للمنطقة، وحدودٍ أخرى مع مدن الساحل السوري التي تعتبر منطقة النظام الأساسية، وبيئته الداعمة، وخزّانه البشري والعسكري والأيديولوجي أيضاً. ومن هنا، يظهر تصميم الأسد على استرجاعها، ومن خلفه داعموه في موسكو وطهران، فيما تبذل تركيا جهوداً ملحوظةً في داخل إدلب بالاتصال بالجماعات المسلحة والفصائل المختلفة. من بين كل تلك الجهود، تعلو الأصوات المنادية بالهمّ الإنساني الكبير الذي قد ينجم عن عمليةٍ كهذه، وفي مقدمة تلك الهموم نتائج استخدام السلاح الكيميائي.
حذّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشدّة، لكن تحذيره كان محصوراً بالعدد الكبير من اللاجئين الذي قد ينتج من هذه الحرب. أما باقي القوى الغربية، فتحاول تقديم استعراض أخلاقي كبير، بالتركيز على الكيمياء والإنسانية، متناسين أن هذا الصراع الذي تجاوز سبع سنوات قد نتجت منه أعمق مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تم أيضاً استخدام الأسلحة المحرّمة فيه بكثافة، ومن دون مراعاة لشعور الأمم التي تضع الأخلاق في مقدّمة اهتماماتها الدستورية. وكانت هذه الدول تنكفئ عن سبق الإصرار عند كل استحقاق سياسي. ومن جهةٍ أخرى، تبدي تعاطفأ كثيرا في إعلامها، تاركة الدول التي تصفها بالمارقة والديكتاتورية تتحكّم في مصير الشعب السوري.
استخدم النظام السلاح الكيميائي في مناسبات كثيرة، وكانت التبريرات مختلفة، وهو مدركٌ جيداً ما يمكن أن ينجم عن هذا الاستخدام، لكنه كان ينجو من تبعاته، بفضل الدعم الروسي له في مجلس الأمن، وفي اجتماعات الدول العظمى الخاصة، وفي الغرف السريّة.
ضمن حالةٍ ذات طبيعة إجرامية بحتة، ومن دون أن يكون للسلاح الكيميائي جدوى عسكرية أو سياسية كبيرة، استخدم الكيميائي في الغوطة، وكانت نتائجُه مروّعة، شكلت لطخةً أخلاقيةً في صفحة روسيا والنظام، كان هذا الاستخدام الأوسع نظراً لعدد الضحايا الكبير، ولكنه لم يكن الوحيد، فقد جعل النظام من السلاح الكيميائي تكتيكاً ثابتاً وأساسياً في حربه، فسجل استخداماً مبكّراً له في ريف دمشق في منطقة برزة، واستخداماً آخر في خان شيخون عند الحملة على حلب، واستخداماتٍ محدودةً في أماكن متفرقة في الجنوب السوري (درعا والقنيطرة)، وأماكن أخرى على امتداد الجغرافيا السورية، فالنظام جعل من هذا السلاح المحرّم علامة فارقة في كل حربه، خاسراً كان أم رابحاً.
يمكن اعتبار الملاحظة المجرّدة والإحصائية شاهداً قوياً ومبرَراً للمخاوف من استخدام الكيميائي في المعركة المقبلة، فلطالما وضعه النظام ضمن تكتيكاته الحربية، وتحقيق تقدّم مؤقت، وإمعاناً في قمع المعارض والترهيب، من خلال إيقاع أكبر عدد من الضحايا البشرية، واستخدمه حتى بشكل تجريبي، لمعرفة مدى جدوى هذا السلاح في حصد الأرواح، وتحقيق النصر المعنوي لمؤيديه. وليست هذه الحملة المزمعة على إدلب استثناءً، بل قد تكون مناسبةً جيدةً للنظام لمزيد من التجريب والتدريب، وفي إدلب بالذات، حيث تعتبر المجمع الكبير لمن بقي من "إرهابيين" في سورية الهدف الآخر من التجربة، قد يكون معرفة رد فعل ترامب الذي بدا شديد الحماس في تغريدته التي حذّر فيها من كارثةٍ إنسانيةٍ، وتوعَّد برد حاسم شديد، وغضب أميركي ماحق فيما لو تم استخدام هذا السلاح مجدّداً.