وقائع من أسبوع "اعتياديّ" لبناني

وقائع من أسبوع "اعتياديّ" لبناني

04 سبتمبر 2018
+ الخط -
لا يمرّ أسبوعٌ على لبنان "الحبيب" من دون أن تُتحفنا الأنباء الصادرة عنه بأحداثٍ أقلّ ما يقال عنها إنها فضائحية، كارثية، مرعبة، يكفي أن يقع أحدُها في أي بلد سويّ حتى يتسبّب في اضطراب رأيه العام، تكبيد مجتمعه صدمةً كبرى، تقويض استقراره الأمني، واختلال موازين طبقته السياسية.
فإلى جانب الأخبار السياسية الدائرة حاليا حول عقدة تشكيل الحكومة، وكيفية تقسيم حصص السلطة ما بين مختلف التكوينات السياسية والحزبية، والانهيار الاقتصادي المتوقّع، وأزمة النفايات، وفضائح الصفقات التي تجري تحت الطاولة، تُتحفنا النشرات الإخبارية يوميا بعددٍ لا يُستهان به من الوقائع التي تروي حلقاتٍ مشوّقةً وجديدةً من "مسلسل الفساد الطويل" الذي تكتبه ببراعةٍ أطرافُ السلطة في لبنان، كاشفين، يوما إثر يوم، ألّا جهاز مراقبة أو محاسبة يمكن التعويل عليه، ولا يكون ضالعا بعمقٍ في شبكة الفساد الأخطبوطية.
خلال الأسبوع الماضي فقط، أقدم شيخٌ وإخوته على قتل شخصٍ في شمال لبنان لأنه، كما قيل، شتم "الذات الإلهية". وبحسب ما روي، فإن الضحية، محمد الدهيبي، أراد استبدال بطاقة إعاشة بأغراضٍ من سوبرماركت في "برج اليهودية"، فكان أن اختلف مع صاحب السوبرماركت بسبب غلاء أسعاره، فراح يشتم ويسبّ، كما يفعل كل لبناني "أصيل"، فسمعه شيخٌ وُجد في المكان، فلامه قائلا إنه كفر، فلم يكترث له محمد وخرج.
إلا أن الشيخ أصرّ على اللحاق به، مواصلا تأنيبه الذي تحوّل إلى شجار، فرفع محمد سكّينا جرحه بها قبل أن يركب سيارته مغادرا. اتصل الشيخ بأخويه طالبا منهما أن يقطعا الطريق على محمد، ففعلا، واجتمع الإخوة الثلاثة عليه، وطعنوه بالسكاكين، بل إن أحدهم ضربه بالساطور، وقطع كعبيه، لكي لا يتمكّن من الهرب، فنزف دما كثيرا على مرأى من آخرين، تمّ تهديدهم إن هم اقتربوا ومدّوا يد المساعدة إليه.
على مستوى آخر، نشرت الصحف خبرا جاء فيه أن شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع الشرطة القضائية، أوقفت رئيس مكتب مكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية الآداب، إذ اشتُبه بتورّطه في إدارة شبكات دعارة.
انتشر الخبر بسرعة فائقة على شبكات التواصل الاجتماعي، وشكّل صدمةً استدعت ردود أفعال كثيرة، مستهجنة وشاجبة، وذلك على الرغم من كل الفضائح السابقة التي تؤكّد، يوما بعد يوم، عدم نفاذ أيٍّ من مؤسسات الدولة وأجهزتها، من فيروس الفساد. هكذا استُحضر مثالُ الممثل زياد عيتاني، وتورّط رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، المقدّم سوزان الحاج، في فبركة ملفّ عمالةٍ له على يد المقرصن إيلي غبش، وقضية رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسّس، فايز كرم، الذي حوكم بتهمة العمالة لإسرائيل، هذا ناهيك عن كل المخالفات العديدة الأخرى التي ارتكبها جهاز أمن الدولة، مساهماً في كشف عمق درجة ما استفحل فيه من فساد.
أخيرا، وقع إشكال "مدني"، يوم الجمعة الماضي، في منطقة برج حمود، بعد أن بدأ أحد القاطنين السوريين، سامي أمين، ويُعرف بمعاناته من اضطرابات عقلية، يرمي زجاجاتٍ من الشرفة، فصعد إليه الأرمني خوسوف كردنيان بغية تهدئته، فطعنه سامي طعنة قاتلة. تبعه آخرون تعرّضوا بدورهم للطعن، إلى أن قرّر أحدهم أن يطلق النار على سامي ويرديه هو الآخر قتيلا. انتشر الخبر وتوسّع الإشكال ليطاول المنطقة، فكان أن اشتبك نازحون سوريون مع مواطنين أرمن، قبل أن تتدخل عناصر من الجيش اللبناني لتطويق الحادثة، وإيقاف عدد من المشتبه بهم.
الغريب في أمر الحادثة أن أحدا من الشهود والحضور لم يرد في باله الاتصال بالقوى الأمنية، أو بعناصر من المخفر القريب، بدل التدخّل شخصيا والمخاطرة بحياته، إلى أن قرّر أحدهم أن إطلاق النار على سامي هو فقط ما سيوقفه عن جنونه...
هذا غيضٌ من فيض، من منتقى من وقائع أسبوع "اعتيادي" في ربوع وطننا الحبيب لبنان!
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"