على من تقرأ مزاميرك؟

على من تقرأ مزاميرك؟

30 سبتمبر 2018

عبّاس في الأمم المتحدة: المفاوضات ثم المفاوضات (27/9/2018/Getty)

+ الخط -
كانت كلمة الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة غريبة جداً، وخصوصاً في الظرف الذي تعيشه القضية الفلسطينية، والتحدّيات الجسيمة الماثلة أمامها، وأمام السلطة خصوصا. غير أن هذا كله لم يظهر في كلمة الرئيس الفلسطيني الذي عزف على النغمة التي اعتاد تردادها منذ سنوات: المفاوضات ثم المفاوضات. حديثٌ قديمٌ لا يتماشى بالمطلق مع الوضع الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها فيه، معزولة غير مأخوذ برأيها وترزح تحت العقوبات الأميركية للرضوخ لشروط صفقة القرن. عن أي مفاوضاتٍ يتحدّث أبو مازن، وهو الذي من المفترض أنه سمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل يومين من إلقاء عبّاس كلمة فلسطين، يتحدّث عن طرح صفقة القرن خلال شهرين أو ثلاثة، وأنها تمضي بشكل جيد جداً. هل يعلم أبو مازن عن ذلك؟ وهل هو مدركٌ للتطورات التي أعلن عنها ترامب، أو الموعد المحدد للصفقة؟ مؤكّد أن الجواب بالإيجاب، خصوصاً أن السلطة الفلسطينية لا تعلم حتى اليوم علم اليقين ماذا تتضمن هذه الصفقة، وعن أي دولة يجري الحديث، وكل ما عرفته، وباعتراف مسؤولين فيها، كان عبر التسريبات الصحافية، أو من لقاءات مع بعض المسؤولين العرب الذي تولوا نقل أفكار من الصفقة المقترحة.
كان أحرى بالرئيس الفلسطيني أن يسارع إلى تعديل خطابه، بدل إعادة قراءة خطاب السنة الماضية، ويردّ مباشرة على الرئيس الأميركي من أعلى منبر أممي، وعبر شاشات تلفزة العالم أجمع. كان من الأفضل لأبو مازن أن يسمّي الأمور بأسمائها، ويفضح محاولات فرض الحلول على الطرف الفلسطيني. ربما يتداول مسؤولو السلطة هذا الكلام في تصريحاتٍ متفرقة، لكن خروجه من منبر الأمم المتحدة سيجعل وقعه مختلفاً بالتأكيد، بدل إعادة العزف على وتر المفاوضات التي يعرفها القاصي والداني. لا أحد يحتاج من الرئيس الفلسطيني تأكيد التزامه بالنهج التفاوضي. فلا أحد يشكّك في ذلك، حتى من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، فحديثهم عن غير ذلك يأتي في إطار رفض منح الفلسطينيين حقوقاً سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرية، عبر المفاوضات، لكنهم يدركون أن أبو مازن ملتزمٌ بالتفاوض، ويعتبره السبيل الوحيد لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية.
كان من الأفضل لو أن أبو مازن وجّه خطابه مباشرة إلى الرئيس الأميركي، وفنّد كل ما وصل إلى السلطة الفلسطينية من تسريباتٍ بشأن صفقة القرن، إضافة إلى مهاجمة الإجراءات الأميركية ضد السلطة الفلسطينية واللاجئين عبر قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا). كان من الأفضل لو تمّت تسمية صفقة القرن صراحةً على المنبر الأممي، وخصوصاً أن كل ما قاله أبو مازن، وظن أنه يوجهه إلى دول العالم، لا يقدّم ولا يؤخّر في موقف هذه الدول العاجزة عن القيام بأي خطوة إيجابية تجاه القضية الفلسطينية من دون الحصول على الرضى الأميركي. طلب الاعتراف الذي وجهه عباس إلى أعضاء الأمم المتحدة ليس جديداً، ولم يتغير شيءٌ من المعطيات السابقة التي كانت تمنع هذا الاعتراف، ليتم تلبية الطلب اليوم. كانت لدى أبو مازن معطيات عديدة جديدة ليطرحها على المنبر الأممي، لكنه آثر، بدلاً من ذلك، إقحام الخلافات الفلسطينية على المنابر العالمية، مهاجماً حركة حماس التي اتهمها بخرق الاتفاقات.
بالمحصلة، كان لدى أبو مازن فرصة إظهار الوضع الحقيقي الذي تعيشه السلطة الفلسطينية، والضغوط الكبيرة التي ترزح تحتها، من دون أي تجميلٍ أو مجاملة، سواء من الإدارة الأميركية أو من بعض الدول العربية، ورمي كرة الحقائق أمام العالم والفلسطينيين، غير أنه فضّل أن يقرأ المزامير على قومٍ لا يسمعون، ولا حول لهم ولا قوة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".