ترامب.. محامي الأقوياء

ترامب.. محامي الأقوياء

28 سبتمبر 2018
+ الخط -
تحتمل كل حركة من حركات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مفاجأة، وكلما شارك في حدث أو مناسبة ينتظر العالم منه موقفا جديدا يثير ضجيجا وردود فعل واسعة. وبين خطاب وآخر، وتغريدةٍ وأخرى، يكشف عن وجهٍ أكثر صرامة وقسوة وانعزالية، خصوصا في المناسبات الدولية الكبرى، مثل الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
جاء خطابه من على منبر الجمعية العامة ليقدم صورة سوداوية عن مستقبل العالم وفق النسخة الترامبية، ولم يجد رئيس القوة الكونية الأولى حرجا في أن يتبنّى مزيدا من التمييز بين الشعوب، وتكلم من دون أن يقيم أي اعتبار لقضايا الإنسانية، في مرحلةٍ حرجةٍ يواجه فيها العالم مخاطر الحروب والإرهاب وأزمات المناخ والفقر.. إلخ.
بين خطابَي ترامب والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مسافة شاسعة. دعا الأول إلى تهميش الأمم المتحدة، وأعلن الحرب على بعض منظماتها ذات الطابع الحقوقي، مثل مجلس حقوق الإنسان والجنائية الدولية، بينما ركز الثاني على إصلاح الأمم المتحدة، وضرورة أن تنهض الدول الكبرى بمواجهة المشكلات الكونية الملحّة، مثل الحفاظ على البيئة والمناخ والأمراض واللامساواة وتعليم الأطفال واضطهاد النساء والهجرات الجماعية والحروب. ويمكن تلخيص خطاب غوتيريس بجملة واحدة، أن النظام الدولي عند حافّة الانهيار.
لم يُبدِ ترامب أي حساسية لمشكلات الكون، ولم ترد في خطابه الذي استمر أكثر من نصف ساعة أي إشارة إلى ما يعانيه الكوكب بسبب التمييز بين الأغنياء والفقراء. أكثر من ذلك، وصل كل من تابع الخطاب إلى قناعةٍ بأن العالم الذي ينتظره سكان الكوكب لن يتحقّق في ظل وجود قادة من هذا الطراز، وأن الروحية التي سادت في العقد الأخير من القرن الماضي، في الولايات المتحدة وأوروبا، في طريقها إلى الاضمحلال كليا.
في ذلك الوقت، عمل الرئيس بيل كلينتون مع مجموعة من زعماء أوروبا والأمم المتحدة لبلورة سياسات اقتصادية واجتماعية، من أجل بناء عالم أكثر عدلا وتوازنا، وانشغل فعليا بمشكلات التمييز بين الشمال والجنوب، الأمر الذي أنتج تفاهمات قمة الألفية للحد من الفقراء والأمراض.
لا يشبه ترامب أميركا اليوم، كما أنه ليس غريبا عنها، وذلك هو الأمر على الصعيد الدولي، فله أشباه في عدة مناطق. هناك قادة دول يطربون لخطاب ترامب، كما هو حال رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان الذي يتدرب على تمثيل دور لاعب فاعل في نادي الشرق الأوسط الجديد الذي يجري تحضيره وفق مواصفات صفقة القرن التي صممها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
ها نحن أمام رئيس أميركي مطلوب من العالم أن يتعايش معه عامين على الأقل، وربما ستة أعوام. رئيس يقف، في كل مرة، ليعلن أن كل البشرية مديونة لأميركا، ولا يخطر له مرة واحدة أن يعترف بديون الشعوب الأخرى والضرر الذي ألحقته أميركا بها، وأمامنا مثال صريح يتمثل في العراق الذي حطمه الاحتلال الأميركي، وسلّمه إلى إيران.
يريد ترامب أن يبني أسطورة أميركا أولاً، وهو يطمح من ذلك إلى أن يؤسس لنظام دولي جديد لا يعترف للآخرين بأية حقوق سوى ما تجيزه لهم الإدارة الأميركية، وهذا أمر يقوم على الاقتصاد والأمن قبل كل شيء. وبناء على ذلك، سيتحول ترامب إلى مانح شهادات حسن سلوك، ولن يحظى بنعمته غير الذين يقدرون على الوفاء بهذه المعايير. وفي خطابه أمام الجمعية العامة، ضرب أمثلة شنيعة على الإصلاحات الديموقراطية، عندما اعتبر أن إسرائيل والسعودية والهند وبولونيا تقدم نماذج ناجحة، في حين أن أنظمة الحكم في هذه الدول لا تشكل فقط أهم الارتدادات عن حقوق الإنسان، بل تُعد من أكثر الأنظمة عنصرية في العالم.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد