على سبيل السلوى والرثاء

على سبيل السلوى والرثاء

27 سبتمبر 2018

إسماعيل فهد إسماعيل.. تفاصيل الهامش

+ الخط -
دُهشت كثيرا، وتردّدت قبل أن أرفض طلب شيخ الرواية في الكويت، إسماعيل فهد إسماعيل، كتابة مقدمة ما وصفها يومها بأنها أهم ما كتب من روايات حتى الآن، "في حضرة العنقاء والخل الوفي"، لكنه أصرّ على طلبه، حتى أنه هدّدني بالزعل والمقاطعة، وهذا ما لم أكن أحتمله فوافقت، على الرغم من الحرج الكبير الذي كنت أستشعره، فكيف تكتب تلميذةٌ مقدمة لكتاب أستاذها؟ قال لي يومها؛ لا كبير في مضرّة الكتابة .. كلنا صغار يا صديقتي.
وعلى سبيل السلوى الشخصية، والرثاء الذي لا أجيده، لإسماعيل فهد إسماعيل الذي رحل أول من أمس، أعيد نشر بعض من فقرات تلك المقدمة:
في "حضرة العنقاء والخل الوفي"، ينطلق إسماعيل فهد إسماعيل، مستعيداً ذاته الكامنة في ما وراء الكلمات والشخصيات والمواقف، ليصنع روايته الجديدة، وكأنه يصنع روايته الأولى، بعد تجريبٍ كتابي طال وتمدّد بين سنوات العمر وتضاعيف الموهبة وتداعيات الحياة بكل معطياتها.
في هذه الرواية، يبدو هذا الروائي المخضرم شابّاً موهوباً. للتو غادر السبعين من عمره، كي يبدأ الكتابة في خضم الدهشة واسترسال الاكتشاف وزهو الموهبة الفريدة.
ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنني شعرت، وأنا أقرأ هذه الرواية، وكأنني أقرأ لإسماعيل فهد إسماعيل لأول مرة في حياتي، أنا التي اطّلعت على معظم رواياته الخمس والعشرين السابقة، والتي أصدرها على مدى أربعة عقود كاملة. ربما لأنه يحاول من خلالها أن يقدّم نمطا كتابيا جديدا يخلط فيه، وفقا لمقادير محسوبة، من دون أن تخلّ بعفوية الفن الروائي في ذلك الشق، بين الحياة كما عاش بعض مواقفها فعلا، وبينها كما يريد أن يعيش بعض مواقفها، وبين ما يتوقع أن تكون، وبين الحلم. وأيضا لأنه، في هذه الحياة التي كتبها بين ثنايا روايةٍ، اختزل الكثير مما يقال في سبيل التطلع إلى قارئ نوعي ومتلق جاد وذكي.. والأهم عاشق للرواية.
"في حضرة العنقاء والخل الوفي" إذاً رواية "صعبة"، ليس على صعيد الكتابة وحسب، بل أولا على صعيد القراءة، وأتوقع أن المتلقي لا بد وأن يجتهد كثيرا في سبيل استخلاص المتع الراسبة بين نهايات الفصول حتماً.
وعلى الرغم من أنني لا أريد أن أبدو كوصية على القارئ، في هذه المقدمة التي أكتبها من خلال قراءة أولية لروايةٍ تحتاج لقراءاتٍ متعدّدة كقصيدة مترامية الجماليات، إلا أن هذا لا يمنعني من تحذير القارئ اللاهي من الدخول في أجواء هذا النص الثري، من دون أن يملك أدواته الخاصة هو أيضا في التلقّي معرفياً.. وإنسانيا أيضا.
فمن الواضح أن إسماعيل فهد إسماعيل يتوسم خيرا كثيرا في من يقدم على قراءة هذه الرواية، ويتوقعه ذكيا جدا، وبل ويطالبه أحيانا بأن يكون شريكا في الكتابة، بدلا من أن يبقى متلقيا للكلمة والحدث، وما يتكون فيما بينهما ومن خلالهما، فالكلمات البعيدة هنا لا تقترب إلا بجهدٍ من القارئ، والمعاني الكامنة لا يستحضرها إلا القارئ، والجمل المبتورة تكتمل في سياق قرائي، يرسم له إسماعيل فهد إسماعيل الطريق واضحا رغم صعوبته.
هل أقول إذاً إن "في حضرة العنقاء والخل الوفي" هي درّة التاج الإسماعيلي الروائي؟ لو كان إسماعيل فهد إسماعيل ممن حرصوا على مثل ذلك التاج، طوال عقود من الكتابة في الرواية، وما حولها، لقلتها، لكنه الكاتب الذي ظلّ ينقش في تفاصيل الهامش، حتى كان ذلك الهامش أن يحتل مساحات المتن كلها، وهو الكاتب الذي يكتب بقلق من يمسك بقلم الكتابة الروائية للمرة الأولى في حياته.
وماذا بعد..؟
قلق ينتج قلقا، وكتابة تتغوّل على كتابة، وهامش يتعالى على المتن، ونصوص تتسامى على كلماتها الحادّة في جملها الناقصة، وشخصيات نعرفها في إطار الواقع، وسياق المتخيّل.. وأخرى نتوقعها تتمشّى داخل نسيج الرواية، لكنها تتفلت منّا كلما حاولنا الإحاطة بها عبر الصفات التي يجتهد الكاتب في رسمها، والسمات التي يشير إليها وكأنه يحرّضنا على اكتشاف ما خفي في ضميره ككاتب، وما ترسّب في وعيه على مر السنين.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.