عندما تُختزل الديمقراطية الموريتانية في الانتخابات

عندما تُختزل الديمقراطية الموريتانية في الانتخابات

27 سبتمبر 2018

تصويت في نواكشوط.. انتخابات ولا ديمقراطية (1/9/2018/فرانس برس)

+ الخط -
شهدت الجمهورية الإسلامية الموريتانية تنظيم انتخاباتٍ، هي الأولى من نوعها من حيث الحجم والتوقيت والأهمية. وقد خبر الشعب الموريتاني تنظيم الانتخابات مرتين قبل الاستقلال، ومرات منذ استولى الجيش على الحكم سنة 1978. ووعد القائمون على الانقلاب الشعب ببناء مؤسساتٍ ديمقراطية، بين وعود أخرى تتعلق بتحقيق الرفاه التنموي. وقد شملت سلسلة الانتخابات تنظيم انتخابات بلدية في سنة 1986، تلتها انتخاباتٌ برلمانيةٌ نشأ عنها تشكيل جمعية وطنية مكونة من غرفتي الشيوخ والنواب، ثم الانتخابات الرئاسية سنة 1991. وقد شاركت فيها المعارضة الراديكالية بشكل كبير، غير أن مرشحها خسر الرهان أمام العقيد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، كسابقيه، في نهاية سنة 1984 وبقي في الحكم قرابة عشرين سنة، لينقلب عليه الجيش سنة 2005، ممثلا في مجلسٍ يرأسه العقيد الراحل أعلي ولد محمد فال الذي شغل منصب مدير الأمن عشرين سنة في حكم سلفه. وكان الرجل القوي في الانقلاب هو العقيد محمد ولد عبد العزيز الذي كان قائد كتيبة أمن الرئاسة في فترة حكم العقيد ولد الطايع. وكما جرت الحالة بعد البيان رقم واحد، تم وقف العمل بالدستور ووعد المجلس الجديد الذي شكل حكومة انتقالية بتنظيم انتخاباتٍ رئاسيةٍ شفافة خلال ستة أشهر. وبالفعل، أشرفت الحكومة على تنظيم الانتخابات الرئاسية التي جاءت بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رئيسا مدنيا للبلاد سنة 2007. وفي أقل من سنة، انقلب عليه الجيش بقيادة الجنرال محمد بن عبد العزيز الذي كان يتولّى أمن الرئاسة، بدعم من برلمانيين ساخطين على الرئيس الجديد الذي يعتبر أول رئيس مدني يأتي عن طريق الاقتراع في موريتانيا. وقد أيد رئيس أهم حزب معارض وقتها الانقلاب.
الثابت في موضوع الديمقراطية في موريتانيا اختزالها، نظريا وعمليا، في إجراء الانتخابات 
البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية. وقد ظلت أسس الديمقراطية غائبةً كنظام لتبادل الحكم وضمان المشاركة الواسعة في عملية اتخاذ القرار، والتمتع بحقوق الإنسان، كحرية التعبير والتجمع وغيرها من الحقوق التي تكفلها الشرائع الدولية، ممثلة في ميثاق الأمم المتحدة. وهكذا كانت الديمقراطية إجرائية أكثر من تحقيق روحها من خلال بناء مؤسسات حكم قادرة على ممارسة فصل السلطات وتوفير البيئة الصالحة المؤسسة والحاضنة للعملية الديمقراطية. وهكذا كانت أجندة الحكومات المتعاقبة هي تنظيم الانتخابات، ابتداء من عملية تسجيل الناخبين ثم توزيعهم، نظريا على الأقل، بحسب أماكن سكنهم، وتشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتكوين المكاتب التي تشرف، بشكل مباشر، على عملية الاقتراع، في ظل تأطير وزارة الداخلية العملية برمتها من خلال الإدارة الإقليمية، ممثلة في الولاة والحكام، ومن يساعدهم من قوات الدرك والحرس الوطني والشرطة. ومع أن قانون الانتخابات الموريتاني يسمح بحضور ممثل عن كل حزب سياسي مشارك في الانتخابات خلال عملية الاقتراع، إلا أن صلاحياته محدودة مقابل سلطة رئيس المكتب. ولقيام الحزب الحاكم، والأحزاب الدائرة في فلكه، بكل هذه المراحل من دون إشراك فعلي لبقية القوى الحية في المجتمع، كالأحزاب السياسية المنافسة ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة الوازنة، أثر بشكل كبير على شفافية العملية برمتها ومصداقيّتها. وقد بلغ عدد المسجلين على اللوائح الانتخابية 1.328.168 من مجموع السكان الذي يبلغ 4.4 ملايين نسمة يمارسون حقهم الانتخابي في أربعة آلاف مكتب للاقتراع على خمس لوائح في آن واحد. كما أن تنظيم الانتخابات في عز فصل الأمطار لم يكن عمليا، ولا مساعدا، بل كان معرقلا، حيث يتعذّر الاتصال بأجزاء كبيرة من البلد، بسبب رداءة شبكة الطرق الريفية، كما بينت ذلك الصور والأخبار الواردة من مصادر متطابقة.
ولعل نسبة الأصوات اللاغية التي ناهزت 50% ممن أدلوا بأصواتهم تدعم التصور أن 
الانتخابات كانت معقدة في مجتمع تبلغ فيه نسبة الأمية الأبجدية أكثر من 40% في سنة 2018. وتقدّم الطعون في نتائج الانتخابات البلدية والجهوية إلى المحكمة العليا، وإلى المجلس الدستوري بالنسبة إلى الانتخابات النيابية في آجالها المحدّدة بحسب القوانين النافذة في البلد. وبحسب مصادر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإن منتسبيه المسجلين قد بلغوا ما يزيد على المليون، ولكن 10% منهم فقط صوّتوا له في الشوط الأول، ما يطرح سؤالا بشأن صدقية هذا العدد في ظل هذه النتائج.
من بين الخروق التي قدّمتها الأحزاب في طعنها "تصويت الجيش في أماكن لم يسجل فيها عناصره، عدم توفير المحاضر لمكاتب كثيرة، عدم السماح باصطحاب المحاضر وبرمجة المستخرجات المسموح بها من دون وجود خانة لإبداء الملاحظات، تحول مكتب انتخابي في آخر لحظة من دون علم الأطراف، استمرار الاقتراع وعدم إغلاق الباب في الوقت القانوني، انقطاع عمليات الفرز". هذا بالإضافة إلى تجاوزاتٍ أخرى، كالاعتداء بالضرب على ممثلي بعض الأحزاب، والعبث بتصويت المواطنين، واستجلاب أعداد كبيرة من الناس، للإدلاء بأصواتهم وتهجير آخرين....
ومع أن الستار قد أسدل على هذا الفصل من العملية الانتخابية، يبقى السؤال المطروح بشـأن آثاره المفترضة على تمديد الفترة الرئاسية المثيرة للجدل للرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، والعلاقة بأحزاب المعارضة الراديكالية، خصوصا حزب تواصل، ذا المرجعية الإسلامية، والذي كان أداؤه جيدا في الشوط الأول، وحل في المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم. وقد دعا بعض كوادر الحزب الحاكم بصورة صريحةٍ إلى حله، أم أنه سيفتح صفحةً جديدة مع المعارضة، تتضمن فتح حوار جدّي يؤسس لمشاركة حقيقية للمعارضة في إدارة الشأن العام، وتحضير الانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها في العام 2019، بعيدا عن جو التشنج والإقصاء والتخوين الذي طبع العلاقات بين الطرفين، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة، منذ وصل الرئيس الحالي إلى الحكم. إن النظر إلى سلوك المؤسسة العسكرية في العالمَين العربي والأفريقي بشأن البقاء في السلطة يرجح أن موريتانيا ستواجه دورة توتر جديدة، دشّنت بوادرها تصريحاتٌ من هنا ومن هناك، يسندها ظهور الرئيس في أثناء الحملة، واستخدامه تعابير لفظية وجسدية تفتقر إلى اللياقة واللباقة في خطاب منه، وهو من انتخبته أغلبية الموريتانيين رئيسا لهم جميعا، أو هكذا ينبغي أن يكون. كما أن المزاج الإقليمي والدولي المرتبك حاليا قد يشجع النظام القائم على السير في اتجاه التصعيد في الوقت الراهن.. والقريب.