غضب كاتبات عربيات

غضب كاتبات عربيات

25 سبتمبر 2018
+ الخط -
حدث، في العام 2012، أن مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس أراد نشر قصص قصيرة لثلاثين كاتبة من الشرق الأوسط، خمس عشرة عربيات، وأخريات من تركيا وأفغانستان وإيران، في كتاب أنطولوجيا ومدونة إلكترونية. وقد خاطب الكاتبات العربيات اللواتي اختارهن، فتزوّد من كل منهن بقصة، غير أن الفلسطينية حزامة حبايب فوجئت تالياً، في رسالةٍ من المركز، بأن الأنطولوجيا تضم قصّتين لكاتبتين إسرائيليتين، فطلبت فوراً سحب قصتها، وتواصلت مع زميلاتها العربيات (بينهن الراحلة رضوى عاشور) لتعريفهن بالأمر، فأجمعن كلهن، من دون تنسيق بينهن، على رفض حضور نصوصهن مع قصتي الإسرائيليتين، المُراد من وجود اسميهما هنا اعتبار إسرائيل كياناً طبيعياً في الشرق الأوسط، باعتراف خمس عشرة كاتبة عربية بذلك. وبهذا الرفض المشدّد، فشل مشروع الأنطولوجيا، وتم إلغاؤه.
لم يكن في وسع منسّق دراسات اللغة العربية في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون الإسرائيلية، ألون فراغمان، أن يخاطب أيّ كاتبة عربية، ليطلب قصصاً قصيرة، أرادها ذات مضامين محدّدة، ذلك أنه يعرف أنه سيلقى الرفض المؤكّد، فسلك سبيل القرصنة والسطو على نصوص قصصية لـ 45 كاتبة عربية، من مصادر ميسورة غالباً في الشبكة العنكبوتية، ثم نقلها إلى العبرية، وجمعها وأصدرها في كتاب أنطولوجيا سمّاه "حرية" عن دار نشر إسرائيلية. ثم صادفت كاتبة فلسطينية هذا الكتاب، وقصة قصيرة لها فيه، فاستفظعت ما رأت، وأعلنت رفضها هذا الاستغفال، كما بادرت إلى الأمر نفسه كاتباتٌ عربياتٌ من مصر والأردن والكويت واليمن وليبيا والجزائر (وغيرها) عرفن بوجود قصص لهن في الكتاب المذكور، ونشرن في الصحافة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، استنكارهن الشديد ما اعتبرنه، محقّاتٍ، اعتداء صريحاً على حقوقهن، فضلاً عن أنه يجرّهن إلى موضعٍ إسرائيلي يرفضنه تماماً.
وفي وسع أيٍّ منا أن يرى في هذه الحادثة سلوكاً غير أخلاقي، يحيل إلى ثقافة النهب التي تستوطن العقل الإسرائيلي، كما رأت غير كاتبةٍ عربيةٍ ممن فوجئن بما ارتكب الأستاذ الجامعي الإسرائيلي، والذي لم يأتِ، في مقدمة الكتاب، على كيفية وقوعه على النصوص، وأفاد بأنه إنما أراد أن يُطلع الجمهور الإسرائيلي على عيّنةٍ متواضعةٍ من "الصوت النسائي" في الأدب العربي المعاصر، يتقاطع مع أصوات نساءٍ في العالم، يُطالبن بالتغيير والعدالة، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن الكاتبات العربيات اللواتي اختار قصصهن "مثقفات ونشطات في أوطانهن، في النضال من أجل رفع مكانة المرأة ونيل حقوقها". وباديةٌ في هذا الكلام، وكثير مثله، نقلته إلى العربية الفلسطينية شيخة حليوي، مقادير التعالم الفوقية، معطوفة على السطحية التي تدلل عليها عشوائية الاختيارات المحكومة بتنوّع جنسيات الكاتبات أكثر من تمثيليّة مضامين المختارات مشاغل القصة القصيرة العربية النسائية الراهنة. ولأن هذا موضوع آخر، فإن الأدعى إلى النظر فيه، وتثمينه، هو ما واجهته فعلة السطو المشهودة هذه من ردودٍ عربيةٍ ساخطة، رفضتها باستنكارٍ أكد على موقف ثقافي مبدئي، يناهض كل أشكال التواصل الإسرائيلي العربي، وهدّدت بإجراءاتٍ قانونيةٍ تعاقب دار النشر التي لم تحترم حقوق الكاتبات، ولا بديهيات الملكية الفكرية، وكان ذلك بادياً في بيانات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب واتحاد الكتاب المصريين ورابطة الكتاب الأردنيين، وغيرها، وأيضاً في تلويح بعض الكاتبات باللجوء إلى محاكم أجنبية لمعالجة الأمر. وقد أجبر هذا كله دار النشر الإسرائيلية، رسلينغ، على سحب الكتاب، بحسب ما أعلنت بنفسها، وهي التي كانت قد ساقت تبريرها ما فعلت بأنه "نظراً لصعوبة إبرام عقودٍ مع كاتبات من دول تعتبر عدوة لإسرائيل". وقد لا يكون سحب هذه الدار الكتاب صحيحاً وإنما هو مجرّد إعلانٍ منها عن ذلك للتحايل على الغضبة العربية الواسعة، ما يعني أن متابعةً يحسن أن تتواصل في هذا الشأن.
هي تحيةٌ هنا، واجبة ومؤكدة للقاصات العربيات على غضبتهن الموحّدة، كما تحية مماثلة سبقتها قبل ست سنوات لقاصات عربيات أخريات.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.