اليمن في معمعة العنف

اليمن في معمعة العنف

03 سبتمبر 2018
+ الخط -
اليمن اليوم ضحية السياسات الخاطئة، والأفكار المدمرة، والعقلية العصية على التغيير، والفشل العام الذي يتجلى بالفوضى والصراعات وكيل الاتهامات وشيطنة الآخر والظهور بمظهر المنقذ الوديع، فشل يعبّر عنه الصوت العالي والصراخ والعويل والشعارات.
استطاع المفكرون والسياسيون تمييز الصراعات بين الخصومة والعداوة، ففي المجتمع المدني، الخصم شريك لك في الوطن والمصير، وعليك تجنّب التفكير بإبادته أو القضاء عليه، هو طرف أساسي ومهم في العملية السياسية وتطور اليمن وازدهاره. المسؤولية جماعية، سلطة ومعارضة يكملان بعضهما بعضا، وتصب سياساتهم في الصالح العام، بعيدا عن إثارة النعرات والصراعات السلبية والشحن والتحريض والشيطنة والهدم الغبي للقيم والمبادئ والسياسات والعلاقات التي تثير النزعات والأحقاد والكراهية، في تنافس غبي خارج إطار الديمقراطية قيمة ومبدأ، إذ نحن أمام تنافس على العنف والترهيب.
المدنية هي ثقافة وسلوك ينتظم الناس وفقها بأسلوب حضاري في التعايش، يلتزمون بقوانين تنظم العلاقات، وتحسم الخلافات، وتعارض المصالح بين الأفراد والجماعات من دون عداء وعنف، إذ لا يعقل أن يكون هناك وطن مشترك بين أعداء! بل سيكون جحيما من الصراعات والحروب والموت، وهذا هو واقعنا اليوم، والخروج منه هي المدنية فكرا ينبذ العدوان، مهما كانت حدّة الصراعات، فالقانون والنظام هو الحاسم.
يفرض العنف كيانات مسلحة وجماعات باغية، ويجعلها تعمل لصالح الساسة والقادة الذين يتحوّلون إلى زعماء عصابات وقتل وموت، لتظل الخصومة السياسية حاضرةً في المناوشات بحدة والعنف والقتل، في محاولةٍ غبية لمحاربة التعدّد السياسي والفكري، ليتاح المجال لاصطفاف مناطقي طائفي جهوي مدمر، لنكن أمام وطن مريض تقتله الخصومة، والحياة فيه ترتكز على تصفية واجتثاث الآخر في سياسةٍ قذرة، لا حقوق فيها ولا واجبات.
هذا ما حدث في الماضي، وهذا سبب كل هذه الكوارث التي نجترّها اليوم، ونعاني من تبعاتها. وللأسف، يسير بعضهم على المنحى نفسه، بالحرف والمعنى، متجاوزا بعنجهية دروس الماضي وعبره، سائرا على خطى أسلافه من البغاء والمستبدين، بل مستندا على أدواتهم القذرة وسياستهم المدمرة.
ما أشبه اليوم بالبارحة، والفرق أن مستبد البارحة استخدم الدولة ومؤسساتها في إرهابه واستبداده بخبث، فيما تلاميذه اليوم أغبياء، يتمنّون أن يكونوا ورثته في الجنوب والشمال بهد الدولة ومؤسساتها على رؤوس الجميع.
هكذا عمل المستبد عندما اجتاح عدن، شكّل له نقابات وعمل على إغراء الكوادر والمؤثرين السياسيين والحزبيين المثقفين والأكاديميين، وجعلهم تحت طاعته، واعتقد أنه نجا وامتلك البلد، واستمر بظلمه وطغيانه وتصفية خصومة حتى انقلب السحر على الساحر.
واليوم نشاهد الصورة تتكرّر، النقابات تصنع بأيد سياسية، وخصومة فاجرة، لتخدم المستبد الجديد. وطبعا بشعارات وطنية، ومن لم يخضع ويستسلم يتم تصفيته، والوطن يذهب إلى الجحيم، والمواطن يعتصر في وسط هذه المعمعة القذرة من العلاقات والأنانية في الصراع من أجل السلطة والثروة.
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
أحمد ناصر حميدان (اليمن)
أحمد ناصر حميدان (اليمن)