محمد حافظ رجب.. الوحيد كما أراد

محمد حافظ رجب.. الوحيد كما أراد

20 سبتمبر 2018

محمد حافظ رجب.. الكتابة لا تعرف الجور ولا الرئيس

+ الخط -
لم تكن الوحدة ترفا، ولا هروبا، أو قدرا مضربا على روح ضعيفة، بل كانت كهفا حليما لحماية الذات والترفّع، كي لا يكون رقما زائدا في أرشيف الكتابة المكدّس، أو شخصا زائدا يقف في طابور جمال عبد الناصر، يبحث عن جائزة أو زاوية في جريدة أو مجلة. لم يقدّس أحدا سوى الله، حتى انتهى به الحال، بعدما كفّ عن الخروج من شقته قائلا: أنا معه. .. لم يكن محمد حافظ رجب خبرا مضافا إلى أخبار الكتابة، بل "ثورة في الكتابة" خرجت من محطة الرّمل في الإسكندرية، تعلن للعالم نحن أساتذة أنفسنا بآلامنا وأوجاعنا، لا بالإنصات لكم، وهذا بالطبع جرح الجميع، وخصوصا الكبار، ومن هم على سجّادات السلطة الثقافية، إلا الأريب المدهش دائما: يحيى حقي. كان محمد حافظ رجب عودا صلبا في غابةٍ من مياه إرادته، وعفوية غضبه وهمومه. كتب ليزيح عن صدره ثقل الهموم، كتب ليحرّر روحه من كل الوصايا المضروبة عن جماعته من المساكين والمهمّشين والضائعين في بطون المدن وأطرافها. كتب ليقول: أنا أثقل من همّي، وأعظم شأنا من كل انكساراتي وعثراتي.
كتب، ليزرع وردةً وحيدةً في محطة الرمل، لامرأةٍ جميلةٍ ابتسمت له يوما من دون قصد، فقط لأنها رأت روحا متعبة.
كتب ليقول: الكتابة عزيزة، ولها مَنَعة أجمل كثيرا من "بغال البلدية"، وضباطها وسياراتها.
كتب ليلقّن الفقر درسا في العزّة، من غير أن يطمئن لشعارات الاشتراكية وزمرها وطبلها.
كتب ليقول للضابط الدكتاتور: لا تشرب من دمي الفقير بطبول حربك ونياشينك وأحصنتك وسيوفك ونسرك المرفرف.
كتب ليعلن الولاء فقط للروح الصافية المهمومة، النافرة من أي طغيان، حتى طغيان الجمال نفسه.
كتب ليقول للبحر: أنا الناسك بلا مقامٍ، ولا ولاية، ولا حزب، ولا قبيلة، ولا شيخ، ولا مريدين، ولا هوس عاطفي، ولا زوّار، ولا صندوق نذور ولا بركة، بعد أن مات عشرةٌ من أخوته، وظل هو الوحيد الخارج حتى على سلطة الأب.
كتب كي يقول إن الكتابة ألم حقيقي وشطط.
كتب كي يقول إن الكتابة لا تعرف الجور، ولا الحزب، ولا سيادة الرئيس، ولا لجان الاتحاد الاشتراكي، ولا جوائز الدولة وصحافة "نعم في كل العصور والأهوال".
كتب كي يُعلي من كرامة أصحاب الآلام من المساكين، حينما رفض العمل في "محل الأب"، وهو وحيده الباقي، حينما رأى روحه تتفتّت مع الفول المبلول والبقدونس والكرات في حجر الطعميّة، فترك المحل لمحطة الرمل وحيدا.
اعتبر كل المحلات السلطوية مثل محل الوالد، سواء أكان ذلك دكاكين الرئيس، أو قائد الجيش، أو وزير الثقافة الذي منحة وظيفة "موظف في الأرشيف"، كي يُسْكته، فلم يستطع، فحرّض عليه كلابه، حتى ترك لهم القاهرة، واستقر في المتحف الروماني، فكانت الوحدة وتمامها.
كتب كي يقول إن الكتابة ملكُ نفسها، ومن يؤجّر قلمه للحاكم كمن يؤجّر خليلته لرقيعٍ، مقابل التصفيق، وارتداء الكرافتة في احتفالات المجلس البلدي.