السلاح الغربي وحرب اليمن

السلاح الغربي وحرب اليمن

20 سبتمبر 2018
+ الخط -
احتفلت، في أوائل شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الدولية، بقرار الحكومة الإسبانية إلغاء صفقة أسلحة للسعودية، تعود إلى عام 2015، ويقدّر حجمها بحوالي تسعة ملايين يورو، وذلك بسبب مخاوف إسبانيا من استخدام أسلحتها في حرب اليمن، في ظل سيل من الانتقادات والتقارير الحقوقية الدولية عن الانتهاكات والجرائم المترتبة على الحرب المستمرة بلا نهاية. وعلى الرغم من ذلك، تراجعت الحكومة الإسبانية عن قرارها خلال أيام، تحت ضغوط لوبيات المال والسلاح الداخلية، في انتكاسةٍ خطيرةٍ وفجّة، تستحقّ التوقف عندها، نموذجا لتناقض مواقف الدول الغربية تجاه حقوق الإنسان، وخصوصا في منطقتنا.
جاء قرار الحكومة الإسبانية الأولي، إلغاء صفقة بيع القنابل الموجهة، بعد تزايد وتيرة التقارير الحقوقية الدولية عن الانتهاكات والجرائم المترتبة على الحرب المستمرة منذ مارس/ آذار 2015، ففي نهاية شهر أغسطس/ آب، أصدرت لجنة خبراء عيّنتها الأمم المتحدة تقريرا يفيد بضلوع مختلف أطراف حرب اليمن، بما في ذلك التحالف العربي الداعم حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، في جرائم حرب محتملة، كما أشار التقرير إلى أن غارات التحالف الجوية، بقيادة السعودية والإمارات، مسؤولة عن سقوط غالبية الضحايا المدنيين في الحرب. والذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بحوالي 6600 قتيل وأكثر من عشرة آلاف جريح من مارس/ آذار 2015 إلى أغسطس/ آب 2018. وهي تقديرات ترى الأمم المتحدة نفسها أنها أقل من الأعداد الحقيقية.
كما تعالت الانتقادات الدولية للتحالف خلال شهر أغسطس، بعد أن تسببت غارة للتحالف على 
سوق ضحيان في صعدة في مصرع حوالي 40 طفلا بعد استهداف حافلتهم، وهو الهجوم الذي انتقدته الأمم المتحدة، وطالبت لجنة تقييم الحوادث التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات بمحاسبة المسؤولين عنه، بسبب عدم اتخاذهم تدابير كافية لتجنب وقوع ضحايا مدنيين. وأصدرت منظمة هيومان رايتس واتش، في الشهر نفسه، تقريرا ينتقد لجنة تقييم الحوادث التابعة للتحالف، حيث رأى أن "المعلومات المحدودة المتوفرة للعامة عن عمل اللجنة توضح فشلا عاما، لأسبابٍ غير معلومة، في تقديم تحقيقاتٍ تتمتع بالمصداقية والحياد والشفافية في انتهاكات التحالف لقوانين الحرب". ويقول التقرير إن اللجنة لا تحقق في كل الحوادث والانتهاكات، وفشلت في تطبيق معايير الشفافية والاستقلالية الدولية في عملها، وأعفت التحالف من المسؤولية في الغالبية العظمى من الحوادث، والتي تصفها عادة بأنها حوادث غير مقصودة، وناتجة عن أخطاء تقنية.
هذا بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية الصعبة في اليمن، فوفقاً للأمم المتحدة، يحتاج 22 مليون يمني إلى مساعدات إنسانية. ومن بين هؤلاء 8.4 ملايين يعيشون خطر المجاعة، و16 مليونا يعيشون بدون مصادر للمياه النظيفة والرعاية الصحية. أضف إلى ذلك أكثر من مليون حالة اشتباه بمرض الكوليرا من أبريل/ نيسان 2017 وحتى أغسطس/ آب 2018.
دفعت الأوضاع الحقوقية والإنسانية المؤسفة المذكورة دولاً غربية خلال العام الحالي، لوقف صادرات أسلحتها العسكرية لدول التحالف، ففي يناير/ كانون الثاني، أعلنت الحكومة النرويجية وقف صادراتها من الأسلحة إلى الإمارات، بسبب مشاركة الأخيرة في حرب اليمن. حيث صدرت النرويج أسلحة بحوالي 10 ملايين دولار للإمارات في 2017، كما أعلنت ألمانيا، في الشهر نفسه، وقف صادراتها من الأسلحة إلى جميع الدول المشاركة في حرب اليمن. ووعدت حكومة فنلندا بوقف صادراتها من الأسلحة إلى الإمارات.
في هذا السياق، جاء القرار الإسباني تتويجاً للجهود الحقوقية الرامية إلى الضغط على الدول الغربية لتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه انتهاكات حرب اليمن، خصوصا في ظل الخلاف القائم بين السعودية وكندا بشأن انتقادات الأخيرة سجل حقوق الإنسان في السعودية. وللأسف، لم تتمكّن الحكومة الإسبانية من الحفاظ على موقفها بسبب اتفاقية ضخمة لتصنيع سفن حربية، تقدر بحوالي 1.8 مليار يورو، وقعتها السعودية مع الحكومة الإسبانية السابقة في 2015. ويبدو أن الحكومة الإسبانية الجديدة، وهي اشتراكية التوجّه، لم تستطع الحفاظ على قرارها وقف تصدير قنابل الليزر الموجهة، بسبب ضغوط لوبيات صناعة السفن الحربية. حيث تظاهر عمال الشركات المصنعة للسفن، خوفا من أن توقف السعودية الصفقة، اعتراضا على عدم بيع القنابل الموجهة، ما اضطر الحكومة الإسبانية للتراجع عن موقفها.
عانى موقف الحكومة الإسبانية من التناقض من البداية، حيث أوقفت الحكومة صفقة صغيرة بعشرة ملايين يورو، وتجاهلت صفقة عسكرية أكبر بحوالي بليوني يورو، وهو تناقضٌ يعتري مواقف أكبر الدول الأوروبية والغربية تجاه القضية نفسها، حيث يشتكي البرلمان الأوروبي دائما من تجاهل الدول الأوروبية قواعد القانون الدولي في صادراتها العسكرية، فالمفترض أن تتأكد الدول المصدرة للأسلحة من عدم استخدام أسلحتها في انتهاكات حقوقية. ويبدو أن الدول الغربية الكبرى المصدّرة للأسلحة، كبريطانيا وفرنسا، تتجاهل تلك القوانين بانتظام. ولهذا لم تشغل نفسها بما يجري في اليمن. واقتصرت المواقف المعارضة لتصدير الأسلحة إلى دول التحالف على بلدان أقلّ نفوذا في سوق الأسلحة الدولية، كبلجيكا وفنلندا والنرويج، فيما عدا ألمانيا، وهي رابع مصدر للأسلحة في العالم من 2013-2017، وفقا لإحصاءات معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي. وإن كانت ألمانيا لا تعتمد في صادراتها العسكرية على دول الخليج، كاعتماد أميركا وبريطانيا خصوصا.
وهنا يجب التوقف عند مواقف الدول الغربية المهيمنة على سوق الأسلحة، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والتي تحتل المكانة، الأولى والثالثة والسادسة على التوالي، وسط مصدّري الأسلحة الأكبر في العالم. كما تسيطر الدول الثلاث على حوالي 88% من صادرات الأسلحة إلى السعودية، وتسيطر أميركا وفرنسا وإيطاليا على حوالي 78% من صادرات الأسلحة إلى الإمارات، وفقا لأحدث الإحصاءات.
ويبدو أن الدول المذكورة لا تبالي بما يكفي لاستخدام صادرات أسلحتها أداة ضغط لوقف 
الحرب، أو للحد بشكل جاد من الانتهاكات الجارية، لسببين: المصالح الاقتصادية والتوجهات الإيديولوجية الحاكمة، فبريطانيا مشغولة بانفصالها عن الاتحاد الأوروبي وضرورة فتح أسواق جديدة. وأميركا يحكمها رئيسٌ يريد الحد من سلطة الكونغرس على الرقابة على صادرات الأسلحة، وإطلاق يد الملحقين الدبلوماسيين والعسكريين في العالم في ترويج مبيعات الأسلحة الأميركية. كما يرى في مبيعات الأسلحة الفتاكة فرصةً لتكريس الثورة الأميركية، وخفض البطالة، وتأكيد تبعية الدول المستوردة لأميركا، وتقديم فروض الولاء لها.
وطبعا يوفر العالم العربي، وتحديدا دول الخليج المشاركة في حرب اليمن، سوقا رئيسيا للسلاح في العالم، فالسعودية ثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم في السنوات الأربع الأخيرة، بنصيب يقدر بحوالي 10% من سوق السلاح العالمي، والإمارات رابعة بحوالي 4.4% من السوق الدولي في الفترة نفسها. وتعد السعودية مستورد السلاح الأميركي الأهم بحوالي 18% من صادرات السلاح الأميركي، والإمارات الثانية بحوالي 7.4%، كما تستورد السعودية نصف السلاح البريطاني المصدر.
أهمية دول التحالف أسواقا للأسلحة، وانكفاء الغرب على مشكلاته الداخلية منذ الأزمة الاقتصادية (2008)، وما تبعها من صعود للتوجهات اليمينية والشعبوية، دفع دولا غربية كبرى، كالولايات المتحدة وبريطانيا، إلى التركيز على مكاسبها المادية الآنية، والتغاضي عن المعاناة الإنسانية الرهيبة لشعوب المنطقة، كما يظهر في معاناة الشعب اليمني، وعدم لعب دور فعال في إيقاف الحرب، أو إلزام الدول المشاركة فيها بمعايير أفضل لحقوق الإنسان، وهو موقفٌ باتت بعض أكبر الدول الغربية تشارك فيه قوى دولية أخرى غير ديمقراطية، كروسيا والصين، والتي تضع مصالحها المادية أولا وقبل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، وهو ما ينذر بطول الصراعات الإقليمية، وتفاقم معاناة الشعوب العربية والمستضعفة.