ماذا ينتظر إدلب؟

ماذا ينتظر إدلب؟

16 سبتمبر 2018
+ الخط -
ترغب روسيا  بأن تعود بالنظام السوري إلى نقطة ما قبل 15 مارس/ آذار عام 2011، مدجّجاً بكل قوته الأمنية، ومستعيداً سطوته على أكبر قدر ممكن من الأرض السورية، وقد أمّنت له كل الحماية المطلوبة في مجلس الأمن، وفي محافل الدبلوماسية الدولية، وانخرطت عمليا في الجبهات السورية، واقتربت من إعلان الشاطئ السوري روسياً بإرسال عدد كبير من القطع البحرية إليه. وقد يمضي وقت كبير، قبل أن تبدأ بالتحرّك عائدة إلى قواعدها الأصلية، وكان تأهيل النظام مرة أخرى عنوان كل حملاتها لاستعادة الأراضي التي خرجت عن سيطرته. وتعتقد روسيا أن حجم النظام يتناسب وحجم الأرض التي استعادها، والتي تمارس عليها أفرعه الأمنية عربدتها، وقد نجحت حتى الآن في تأمين قسمٍ مهم منها، ولم يبقَ إلا إدلب، وهي تخوض الآن غمار معركة دبلوماسية شرسة، قد تفوق تلك العسكرية المزمع خوضها في إدلب على جبهات عدة، منها تركيا والولايات المتحدة وحلفاؤها. وقد تكون هناك حربٌ خفيةٌ دائرةٌ بين روسيا وإيران ومليشياتها فوق الأرض السورية، لكن الاستعصاء الذي يرافق حملة إدلب حتى الآن يجبر روسيا على بذل أكثر من جهد، وكل شيء موضوعٌ على الرفّ، بانتظار اجتماع آخر بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، غداً الاثنين في سوتشي.
كان الروسي والإيراني يعوّلان كثيراً على القمة الثلاثية التي عقدت في طهران في السابع من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري مع أردوغان، لانتزاع ما يُستعان عليه، لبدء هجومٍ على إدلب، ولتطبيق الضغط اللازم بما يشبه وضعه أمام الأمر الواقع، بدأ الطيران الروسي والبراميل السورية هجوماً على أطراف المحافظة، لكن القمة انتهت من دون أن يرضخ أردوغان للمساومة والضغوط، وبقي الحال معلقاً، ما شجع أميركا على تطوير موقفها من الهجوم على إدلب، فباشرت بالتهديد بضربات جوية مؤثرة في حالة وقوع أي هجوم كيميائي، لينتهي بالتهديد بضرباتٍ موجعة، إذا تم تنفيذ هجماتٍ ينجم عنها كوارث إنسانية، مهما كانت الأسلحة المستخدمة في هذا الهجوم. وسبقت ذلك كله تعزيزات تركية بالمدرعات والأسلحة في محيط إدلب، ونقاط المراقبة التسع المتفق عليها مسبقاً، لمراقبة التهدئة.
لم يعنِ الاعتراف التركي بأن بعض المليشيات الموجودة في إدلب منظماتٌ إرهابيةٌ ولم يمنح ضوءاً أخضر لأحد باستباحة إدلب، فقد جاء الاعتراف تحصيلاً لحاصل، والاجتماع المزمع عقده في سوتشي سيتم بين الرئيسين التركي والروسي، من دون ممثل عن الجانب الإيراني هذه المرة، وقد يكون هذا الاستبعاد مقصوداً، فما تريده روسيا من النظام يختلف عما يريده الإيرانيون، وتعطي تركيا بعزلها الجهات الإرهابية، وتسميتها شرعيةً للقوات الأخرى المسلحة والعاملة ضد النظام. وتأتي المظاهرات العارمة التي يقوم بها السكان المدنيون في إدلب مكملةً لهذا العزل، وداعمة له، ومن الممكن أن يشجّع كل الدول المهتمة على تطير موقفها من قضية إدلب، وصولاً إلى منع الهجوم الذي اكتملت عناصره العسكرية، ولم يبق إلا أن ينضج سياسياً، كما تريد له روسيا.
تأتي أهمية إدلب لروسيا من رغبتها بنظامٍ يفرش هيمنته على كل الجغرافيا السورية، ولا تستطيع روسيا أن تتحدّث عن نصر أو إعادة إعمار، ولا حتى عودة لاجئين، وقد ينتج عن معركة إدلب ملايين منهم، إلا بعد أن تعود إدلب، كما عاد غيرها من المدن، ومشكلة روسيا هي تركيا التي تتخوف من مأساة إنسانية كبرى، تتحمل وحدها تبعاتها، وأميركا التي تريد أن ترى إيران بعيدة عن المشهد، وانتصار آخر في إدلب قد يجعل أسهم إيران أعلى بكثير. لن يتغيّر هذا الموقف، ومن غير المتوقع أن ينتج شيء كثير عن لقاء بوتين وأردوغان. وإن حصل هجوم كبير وشامل على إدلب بعد ذلك، فإن جيش النظام ومن معه من حلفاء سيتحملون تكلفة عالية، وهو اختبار صعب لبوتين، لن يجد أدوات كثيرة لاجتيازه.