التوطين الآتي

التوطين الآتي

15 سبتمبر 2018

أطفال فلسطينيون في بيروت يطالبون بحق العودة (13/5/2014/الأناضول)

+ الخط -
لم يعد توطين الفلسطينيين في البلاد العربية التي يقيمون فيها شائعة متداولة، أو "فزّاعة" إقليمية ـ عربية، بل بوشر التفكير به قبل البدء بتنفيذه. كشف الإسرائيليون عمّا يريدونه فعلاً، هذا الأسبوع، فقد لمّح الوزير الإسرائيلي للمواصلات والشؤون الاستخبارية، يسرائيل كاتس، الثلاثاء الماضي، إلى "وجود مخطط أميركي لم يعلن عنه رسمياً، يجري العمل على صياغته في أروقة البيت الأبيض، يهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم في الأردن وسورية ولبنان والعراق". وكتب كاتس في تغريدةٍ على حسابه الرسمي على موقع تويتر: "أرحب بمبادرة رئيس الولايات المتحدة (دونالد) ترامب، بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسورية ولبنان والعراق". ولم يوضح الوزير الإسرائيلي متى طرح الرئيس الأميركي هذه المبادرة، وما إذا كان قد طرحها على الإسرائيليين. ولم تُصدر الإدارة الأميركية مبادرة "علنية" خاصة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، لكنها سبق أن قرّرت مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وادّعى كاتس، وهو عضو المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، أن "استمرار مشكلة اللاجئين ناتج عن القادة العرب والفلسطينيين الذين يستخدمون اللاجئين رافعة للمطالبة الظالمة، والتي لا أساس لها، بحق العودة، في محاولة تدمير إسرائيل". كما واصل هجومه على الفلسطينيين، الأربعاء الماضي، بقوله لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "ترامب يقشّر الكذب الفلسطيني قشرة فقشرة، أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) دعا عليه، وقال له (يخرب بيتك)؛ لماذا يعتقد أبو مازن أن ترامب سيستمر في تحويل الأموال إلى سلطته؟".
إذاً، "حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم" يتهاوى، ولا مجال لمواجهة هذا التهاوي بأي طريقةٍ ممكنة. لنضع الدساتير والشعارات جانباً، ونفكّر "كيف نواجه التوطين الآتي، في سياق عدم خسارة القضية الفلسطينية؟". في الواقع، تدلّ كل المؤشرات على أن لا طريقة عملانية، ولا سياسية لمواجهة التوطين. تتخبّط الدول العربية في صراعاتها وخلافاتها وثوراتها، ودول المواجهة المباشرة (لبنان، سورية، الأردن، مصر) حدّث ولا حرج. يعيش الفلسطينيون أنفسهم في ظلّ خلافات متناسلة، بين تهدئةٍ غير مضمونة ومصالحةٍ غير مستقرة. لا تفكّر أوروبا سوى باللاجئين في حال وقعت معركة إدلب، شمال غربي سورية، وتفكّر بالاتفاق النووي الإيراني، فيما إذا قرّرت الخروج منه أم لا.
إذا اعتبرنا أن المواجهة خاسرة سياسياً، كيف يمكن تحويل قضية تهجير شعب، وعدم الاعتراف بدولته، ثم عدم الاعتراف بعودته إلى دياره، إلى قضية رأي عام عالمي باسم الإنسان، لا باسم القومية البحت أو الدينية البحت؟ كل تجاربنا السابقة في المواجهة العسكرية فشلت. ويقول الواقع إن لا أحد سيرفع السلاح من أجل إعادة ملايين الفلسطينيين إلى ديارهم، وضمان عدم تهجير ما تبقى منهم في فلسطين المحتلة. الرأي العام العالمي، خصوصاً على مستوى السلطات المحلية والمصرفية والقانونية والإعلامية في كل بلد غربي، هو بيد أنصار إسرائيل، أو أقله لا يسمح بمواجهتها، لذلك تبدو حركة المقاطعة (BDS) كأنها حركة ثورويّة في وسطٍ يدّعي حقوق الإنسان والحرية. بالتالي، فكما أن الإسرائيليين يحظون بدعم رأي عام عالمي، فعلينا العمل على جذب الرأي العام العالمي، وتحويل الوعي باتجاه التركيز على خطورة التوطين الذي يسمح بديمومة الأنظمة الديكتاتورية من جهة، لتقاطع المصالح مع الإسرائيليين، بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة، ويمنع محاسبة أي دولةٍ على جرائمها مستقبلاً من جهة أخرى.
ماذا يقول الواقع؟ يقترح الواقع أن التوطين سيحصل، وأن الدول الحاضنة للفلسطينيين ستحاول المتاجرة باسمهم، وتلقي الأموال، أو مكتسبات اقتصادية او سياسية باسمهم. طريق القدس تمرّ عبر استيلاد مواجهةٍ سياسيةٍ إعلامية شاملة، لا التفرّد برفع شعاراتها بعقيدةٍ دينية، وتصويرها "معركةً دينية" فحسب. هناك إنسان في فلسطين وخارجها يرى أن حقوقه البديهية تنزلق من بين يديه أسرع من أي وقتٍ مضى، والعالم، هنا، يساند القاتل، لا القتيل.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".