03 اغسطس 2022
.. ولم يبق للنازحين السوريين سوى البابا
.. ولم يبق للنازحين السوريين سوى البابا
حتى الدنمارك المعروفة عادة بترحيبها، كباقي الدول الإسكندينافية، بالأجانب الهاربين من دول القمع والاضطهاد والتخلف، وحسن معاملتها لهم، قرّرت ترحيل آلاف من السوريين والفلسطينيين الذين التجأوا إلى أراضيها، ومنهم من حصل على حق اللجوء والإقامة الدائمة. صحيحٌ أنه إجراء مستجد يندرج ضمن سياسة الحزب اليميني المتشدّد الذي يمسك حديثا بزمام السلطة، إلا أنه بدون شك يندرج ضمن ظاهرة اليمين المتطرّف الآخذة في الانتعاش في أوروبا، وتستولي على حكوماتها، كردة فعل على موجة العنف والإرهاب التي اجتاحت أوروبا في السنوات الأخيرة، وتحديدا إثر اندلاع الثورة على نظام بشار الأسد عام 2011، وسعي الأخير إلى تصدير الإرهاب إلى أوروبا، لترويعها وثنيها عن دعم انتفاضة الشعب السوري ضد استبداده. فكانت المعادلة إرهابا يرعب الأوروبيين، ويغذّي الأحزاب اليمينية المتطرّفة، وهذه بدورها تستغل خوف الرأي العام، وتغذّي التطرّف والعداء للأجنبي... إلى درجةٍ بدا معها وكأن هناك معادلة ثلاثية قائمة بين الأسد والإرهابيين واليمين العنصري المتطرّف، كل طرفٍ منها يغذّي الآخر!
وإلى هؤلاء الدول، تدفق النازحون الفارّون من عنف الأسد وبراميله، فكان إرهابه لهم بالمرصاد، ليولد ردة فعل معاكسة، ويدفع الأحزاب المتطرّفة والعنصرية إلى ركوب الموجة. تفجيرات طاولت الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وإنكلترا. وها هو تحالف اليمين الانفصالي والعنصري (رابطة الشمال)، واليمين الشعبوي والديماغوجي (حركة الخمس نجوم)، يفوز في الانتخابات النيابية لأول مرة في تاريخ إيطاليا ويستلم الحكم. وأول خطوة تقوم بها حكومة الثنائي هي إقفال الحدود، ورفض حتى السماح للنازحين القادمين عبر البحر المتوسط في زوارق بحرية النزول إلى الشواطئ الإيطالية، وتبقيهم هائمين على وجوههم في عرض البحر! حصل هذا الأمر مراتٍ خلال الأشهر الأخيرة، وأحدث إشكالا مع فرنسا، ثم انعكس على دول الاتحاد الأوروبي التي اضطرت إلى تشديد إجراءاتها تحت ضغط (وابتزاز) الحكومة الإيطالية التي هددت بوقف دفع مستحقاتها للاتحاد.
.. وصلت، قبل أيام، إلى ميناء لامبيدوزا في جزيرة صقلية باخرة على متنها نحو 150
وبعد عشرة أيام من بقاء النازحين في عرض البحر، عرضت ألبانيا استضافة 25 من ركاب الباخرة، وكذلك أيرلندا 25 آخرين، فيما تبرّعت الكنيسة باستضافة المائة الباقين، تجاوبا مع النداء الذي وجهه البابا فرنسيس؛ ففي خطوة غير مسبوقة لأرفع سلطة دينية في أوروبا والعالم، وجّه الحبر الأعظم دعوة شاملة إلى جميع المؤسسات والجمعيات الدينية والأديرة ورعايا الكنائس ومراكز العبادة في كل أوروبا إلى فتح ذراعيهم ومراكزهم لاستقبال النازحين، وإعطائهم ما سمّاه "أملا حقيقيا وملموسا"، عبر استضافة كل رعية عائلةً من عائلات النازحين، والتعاطي معهم باحترام وتضامن وعدم إقامة "جزر مغلقة وغير مضيافة" في وجههم! وأعلن أن أول من سيبدأ بتطبيق هذا القرار هو حاضرة الفاتيكان، أي بدءا من رعية البابا نفسه. ورفع فرنسيس صوته، محذّرا من أن سقوط أي نازح هو بمثابة "جريمةٍ ترتكب بحق البشرية جمعاء". ووصف ما يحصل في سورية بأنه "مأساة تصيب عشرات آلاف النازحين الهاربين من الموت بسبب الحرب، والذين يبحثون عن أمل في الحياة. لذلك، واجبنا كما يعلمنا الإنجيل أن نكون إلى جانبهم، وأن نعطيهم أملا حقيقيا وملموسا، وليس فقط مواساتهم بالكلمة الحلوة". وفيما تحضر روسيا قوات الأسد لمعركة استعادة إدلب والمحافظة التي تعد نحو ثلاثة ملايين شخص. ووسط الصمت المريب واللامبالاة تجاه ما يمكن أن يحصل من مجازر ودمار وتشريد ونزوح، وجّه رأس الكنيسة الكاثوليكية أمس نداءه من ساحة القديس بطرس إلى جميع الأطراف المعنية، وتلك التي لها تأثير في سورية، من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين: "رياح الحرب تهب ونسمع أنباء مقلقة عن خطر وقوع كارثة إنسانية في محافظة إدلب في سورية". وجدّد مناشدته المجتمع الدولي وكل الأطراف الفاعلة للجوء إلى الوسائل الديبلوماسية والحوار والتفاوض، لضمان احترام حقوق الإنسان الدولية، وحماية أرواح المدنيين. ولفت من بيديه السلطة والاهتمام بالشأن العام إلى أن المسائل الأساسية والحساسة اليوم، مثل النزوح وحق الجميع في الحصول على الحاجات الأولية، يجب أن تحترم وتواجه بمسؤولية، ويجب أن تكون هناك محاسبة من المواطنين.
ولكن اللافت أن إطلاق هذا الموقف الإنساني والأخلاقي من بابا روما تزامن مع حملةٍ شنّتها