اليمنيون وشياطين النظام السابق

اليمنيون وشياطين النظام السابق

12 سبتمبر 2018
+ الخط -
تطلق عبارة "الشعب يستاهل" جزافاً، ليلاً نهاراً، بحق الشعب، من أفواه لا تجيد سوى جلد الشعب على كل ما حلّ به من أوجاع، وكأنه هو من أنتج هذه الماسي لنفسه بنفسه، وراض عنها!
إذا ارتفع سعر الدولار، يقال "يستاهل الشعب"، وإذا ما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، تتكاثر طوابير النفاق في تسويق مثل عبارة فجة كهذه "الشعب يستاهل"، وإذا ما ازدادت أسعار المشتقات النفطية أو فشل المواطن في الحصول على الخدمات الأساسية، يجلد الشعب بسياط العبارة إياها. عجباً لأمر مروّجي أسطوانتها؛ بتحميلهم شعب مغلوب على أمره، كل كارثة تحل بالبلد.
أراد شباب 11من فبراير/ شباط 2011 في اليمن، التخلص من العبودية السوداء، لكن هذا الحلم لم يجد طريقه إلى النور، على الرغم من تقديم تضحيات عمّدت بالدم، في ساحات التغيير.
حشد النظام السابق إمكانات الدولة المختلفة، للحيلولة دون نجاح ثورة الشباب السلمية التي استطاعت إسقاط علي عبدالله صالح سياسياً، من دون أن تتمكّن من تجاوز رموز أجنحته العسكرية والقبلية والإعلامية، إذ لا تزال، حتى يومنا هذا، تتخندق خلف ترسانة سلاح هائلة، مسنودةً بطوابير القتلة والمأجورين. أوكل لها التصدّي لكل من يرى أن "الثورة مشروعة"، لتبلغ الوقاحة أعلى درجاتها دفاعاً عن عهد صالح بصورة تدعو إلى الفكاهة والاشمئزاز في آن! ولاغرو في أن تجد أحداً يتحدّث عن أوهام الأمان، وهو يقصد "أيام الزعيم"، أما اليوم، كما يقول: لا أمان، النهب والقتل في كل مكان، كنّا نسافر وبحوزتنا ملايين الريالات، فنقطع مئات الكيلو مترات بين تعز وحضرموت، ولا أحد يعترضنا! قلت له ساخراً: وهل كان قطاع الطرق يومها على علم بموعد انطلاقك بملايين الريالات كما تزعم؟ وهل هذا مفهومك لمعنى الأمان الحقيقي؟
صارت حياتنا محاطةً في كل مكان وزمان بمثل هذه الأصوات النشاز، ولا يخلو مجلسٌ خاص أو عام، من هذه الذهنيات الغريبة، وإذا ما قاومتها، فأنت تستاهل الويلات، وإذا ما آمنت بها، فذكي أنت، وإن كنت طبلاً! نحن أمام أصواتٍ تعتقد أنّ أحد أسباب الحرب، الدائرة منذ الطلقة الاولى، هي ساحات التغيير الجماهيري التي خرجت للمطالبة برحيل علي صالح.
أتذكر جيداً عبارة قالها الرئيس، عبد ربه منصور هادي، عقب تسلمه مقاليد السلطة، "لن نبيع الوهم" في دلالةٍ واضحةٍ أن "نظام صالح" ظلّ يدير البلد بالأوهام والخطابات.
لم يكن الرئيس هادي يعلم أن النظام السابق سيقف له بالمرصاد للحيلولة دون تحقيق طموحات رئيسٍ منتخبٍ بإحماعٍ شعبيٍّ كبير، أراد الانتقال باليمن إلى مستوى أحلام اليمنيين، في بناء وطنٍ غارقٍ منذ عقود بوحل الفساد السياسي والمالي.
ما يستدعي الحزن أكثر، أن نُحاصر بأبواق لا تنفكّ عن تكريس قاعدة شاذة: ثورة 11فبراير، أنتجت كل هذه المآسي، فهل فشل الثورة دليل على صوابية النظام الاستبدادي؟ هذا ما لا يمكن أن يتقبله العقل السوي.
لم يكن عهد علي عبد الله صالح ملائكياً ولم يكن مناهضوه شياطين، بل العكس صحيح إن جاز التعبير، فإذا كان إبليس اعترف بعظمة الله، فالدكتاتور علي عبدالله صالح لم يعترف بعظمة شعبٍ أراد التغيير، شعبٍ لم ولن يتنازل عن حلمه، طال الزمن أو قصر.
CC0DC3C8-4680-47DD-A1E2-F3B4DFCE532B
CC0DC3C8-4680-47DD-A1E2-F3B4DFCE532B
محمد الصهباني (اليمن)
محمد الصهباني (اليمن)