أحمد حمادة.. يا حرية السوريين

أحمد حمادة.. يا حرية السوريين

12 سبتمبر 2018
+ الخط -
كان أحمد حمادة ضيف حلقتي الأسبوع الماضي وسابقه لبرنامج "يا حرية" في تلفزيون سوريا. وعلى الرغم من أنهما لا تختلفان عن بقية حلقات البرنامج من حيث المضمون، وهو رواية السجن السوري والتعذيب الأسدي، فإنهما تحملان قيمةً إضافيةً تعيد المشاهد إلى بدايات الثورة السورية، والحراك الشعبي الذي عمّ مدن ريف دمشق من أجل النزول إلى العاصمة بهدف التظاهر، عشية التحرّكات الأولى داخل دمشق من بعض الناشطين.
اللافت في الشهادة أن مجموعات من شباب ضواحي دمشق كانت تتحرّك، من أجل النسج على منوال الحراك الذي شهدته تونس ومصر وليبيا، من دون تنسيقٍ مع ناشطين مدنيين معروفين، أو قوى سياسية وحزبية معارضة. وهذا يفيد في فهم الحالة التي كانت سائدةً في المجتمع السوري العريض، وكيف كان ينظر إلى النظام. والاستنتاج الأساسي أن الوضع كان أشبه ما يكون بخزّان بارود جاهز للاشتعال، والشارع بانتظار اللحظة التاريخية والخروج إلى الحرية.
يجدر التوقف عند هذا البرنامج الذي يُنتجه ويبثه تلفزيون سوريا الذي لم يمض على انطلاقته أكثر من ستة أشهر، واحتل خلال هذا الزمن القصير مكانا خاصا لدى المشاهدين السوريين الذين كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، وجاء ليسدّ فراغا إعلاميا وسياسيا كبيرا بالنسبة لجمهور الثورة السورية على نحو خاص، والسوريين بشكل عام، لما يقدّمه من تنوّع في البرامج يستهدف شرائح وفئات مختلفة، بالإضافة إلى المتابعة الخبرية والتغطيات الصحافية المتميزة من داخل سورية.
"يا حرية" من البرامج الصعبة، فهو ذو حمولةٍ عالية. ومهما كانت طاقة المشاهد على احتمال القسوة، فهو لا يمكن أن يتابع حلقة من حلقاته إلا ويتفاعل معها، الأمر الذي يخلف تأثيرا يصل لدى بعضهم إلى حد الإصابة بخدوش نفسية، وهذا يشمل كل الذين يسهرون على هذا البرنامج، وعلى نحو خاص المعدّة سعاد قطاطني، وهي ابنة سجين سياسي وزوجة سجين سياسي، ومع ذلك لم تسلم من الآثار النفسية، وهي تخرج في ختام كل حلقةٍ من معايشة تجربةٍ جديدةٍ لا تقل عن سابقاتها ألما ومرارة، بسبب مأساوية الشهادات التي يقدّمها ضحايا زمن الأسدين.
لن يكون هذا البرنامج فقط وثيقة تاريخية على أهوال الاستبداد السورية، بل سيشكل مادة للدارسين في فترة ما، حين يقرّر علماء الاجتماع تحليل ظاهرة التعذيب في سورية، بعد أن حوله الحكم الأسدي (الأب والابن) إلى مدرسةٍ تديرها مجموعة من المجرمين الضالعين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومن المرضى النفسيين، وسيكون أمام الدارسين تفكيك هذا المرض الذي لم يوفر سلاحا إلا واستخدمه من أجل تحطيم الإنسان السوري، وخصوصا سلاح الاغتصاب الذي مارسه على نطاقٍ واسعٍ ولزمن طويل.
أحمد حمادة شاب في الثلاثين ينحدر من منطقة سقبا في ريف دمشق، ومستواه الدراسي الشهادة الابتدائية. كان يعمل نجّارا، وتقول عناصر البورتريه الخاص به إنه يجب أن يكون بعيدا عن التحريض من أجل الثورة والمشاركة في تفجيرها، ومن بعد ذلك الوقوع في أيدي قوات الأمن. يؤكّد في شهادته أنه قرر أن ينزل إلى دمشق، للتحريض على النظام، لأسباب شخصية، تتعلق بأن حياته لم تكن تسير على ما يرام، وبدأ ذلك منذ حاول معالجة والدته المريضة، ولم يعثر على مشفى حكومي، بل إنه تعرّض للضرب حين احتج على ذلك.
تقف قصة أحمد حمادة عند نقطتين أساسيتين: أن الثورة السورية هي حركة الشارع، وهذا يفسر انخراط الناس العاديين في مسارها وتحملهم دفع الكلفة العالية. وأنه لا قيمة للحديث عن فشل الثورة. وما وصلنا إليه اليوم هو أن النظام كسر الموجة الأولى، وستأتي موجةٌ جديدةٌ في زمن آخر.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد