هل نحن روبوتات بشرية؟

هل نحن روبوتات بشرية؟

09 اغسطس 2018
+ الخط -
سبل التكهّن والتخمين الفلسفي والسيكولوجي للحالة الوجودية البشرية، وطرق الاندماج فيما بينها، من شأنها أن تبعث في حقل التفكير فكرةً يشوبها الشك واللايقين، تفيد بأننا، ربما، نكون مجانين أو مسيّرين بخطىً فكرية متجانسة، يمنع توثيقها للفكرة بواطن ما وراء الظلال التي تسري في عروق الحياة أمام أنظارنا. ليبقى المغيّب عن العقول مثار قلق ودهشة، فنتورّع بدورنا ضمن عملية ميكانيكية، على كظمها أمام زخر الماديات بشكل لا إرادي، لتتوازى هذي الغيبيات و"نظرية التلقائية" التي تتماشى معها ديناميكية العقل الجمعي البليد، عبر ممرٍ كل ما ضاق اتسع بفعل التبحّر والاجتهاد.
المنطق يشوبه الشك في بعض الأحيان ووليده في أحيان أخرى، فعالم الإنسان بكلّيته قد يصل حد العجز في طريقه إلى سبر المفاهيم الدلالية للجنون، إذا ما ارتأى تطبيقها على نفسه وقلب تلك المفاهيم من أساسها، فالأدمغة مثلاً، وعلى اختلاف كينوناتها، لا تحتمل الاعتداء الكوني عليها إذا ما أصابها الخلل. حيث تبقى وظائفها رهن أصحابها، وما على البقية سوى التكيّف مع نظائرها من ذوي الإعاقات العقلية. وهنا، أمام هذه البرمجية المتقنة والمعقدة لصيرورة الحياة والسيكولوجيا المركّبة وما تمخض في سبيل محاكاتها عن أدمغة فائقة الحدّة والعبقرية، وصلت حدود إبحارها في سبر غيبيات الحياة وتحليلها المركّب البشري الأعلى (العقل) حد الجنون، كلٍ على طريقته الخاصة، كتّاباً كانوا أم فلاسفة وشعراء وأدباء أمثال: نيتشه وكولن وشوبنهور، داروين وهولدرلين، أنطونين أرتو وفان غوغ وغيرهم، ليبقى السؤال في إمكان دحض كل ما جاء به هؤلاء المجانين من نظريات وفلسفات في سبيل حل الألغاز الشائكة أمام منطق النظام التلقائي البليد الذي يحمي العقل من الوقوع في جب الوعي والإدراك عالي التصوّر؟
يعزو المفكر والكاتب السعودي، إبراهيم البليهي، في نظرية التلقائية، رفض الواقع التلقائي السائد والصارم للعقول المتوهجة وأفكارهم المتّقدة التي أثْرَت أعمالهم وأفكارهم عملية التغيير والتطور الفكري والمجتمعي في الفترة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، إلى سلوك العقل الجمعي السائد ونمطيته ونبذه كل ما هو غريب ويفوق قدرة العقل البليد على التصوّر إلا بما يتوافق مع المسلّمات البديهية المتوارثة (عصب النظرية التلقائية). فالمجنون لا يدرك بأنه مصاب بالجنون، وإن أدرك ذلك، فهو لم يعد مجنونًا بحكم (المنطق الطبيعي) لما يملكه من نشاط ذهني معتدل ومصيب. وإذا ما افترض أحدهم عند إعمال مخيّلته استبدال دماغه بدماغ أحد المجانين وإخضاع جملته العصبية لتصرفاته، فهو الجنون بعينه، مُخِلّاً بذلك مبدأ التوازن الطبيعي، مما يبطل بدوره نظرية التلقائية. فنحن في استطاعتنا التمييز ما بين وردة حمراء وأخرى بيضاء وكذا بقية النباتات. ولكن المنطق السائد يقول أن ليس باستطاعة تلك الأخيرة التمييز والإدراك على أنّنا بشر (إلا إذا كانوا أبطال فيلم "سوسيج بارتي" للمخرجين غريغ تيرنان وكونراد فيرنون). وإذا كانت الأحلام التي نراها أثناء نومنا مجرّد صور عصبية يفرزها العقل وقت النوم والراحة بفعل لا إرادي، فماذا عن أحلام اليقظة والإستيهامات التي تعمل بذات الطريقة وقت الصحو بفعلٍ ارادي؟ فهل نحن من يتحكم بعقولنا أم هنالك قدرة أخرى تفعل ذلك؟
في صدد هذه التساؤلات، يصبح الدفع نحو الرؤية الداروينية مضافاً إليها الحقائق الربّانية والروحية (وأنا أقول هذا في سبيل العلم والتجربة بحيادية دون تواطئ)، ممكناً لدعم الفكرة، في شرح كيفية عمل الطبيعة والروح أو المادة، ودورهم الأساس في رسم آلية العقل، مما يفضي ذلك إلى القول، وعلى وجه التخمين، أننا: "روبوتات بشرية بأدمغة ذكية عالية الأداء، مشروطة أدائها بقرار المادة والطبيعة تتكيف بسرعة مع محيطها. يدعمها قبول الآخر من نوعها له، كمسلّمات ملموسة ضمن إطار الرؤية والتصرفات والحوارات المتبادلة والسليمة".
لربما أكون مُسَيّراً بكتابة هذا النص دون أدنى شعور، وإذا كان لي أن أعود للوراء ثلاثة قرون لصرت واحداً من ركّاب "سفينة الحمقى" للألماني سباستيان برانت التي أشار إليها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" ولألقي بي في ناراغونيا وأنهار العالم البعيد. فقد تصيب موضوعية النص بالرعب والألم كل من يحاول الغوص فيه، ويرجّح خسرانه الرهان على عقلانيته إذا تغلغل أكثر في عملية بحثه، ولا يتبقى له سوى ما قاله الفيلسوف الهندي أوشو: "إذا كنت عقلانياً إلى أبعد الحدود فسيقودك عقلك إلى الجنون". وهذا ما لا أخشاه، في حال وجدت جوابي بعد البحث والتمحيص.
B9414115-9678-4855-9D4F-3F7537C37951
B9414115-9678-4855-9D4F-3F7537C37951
سلام أبو ناصر (فلسطين)
سلام أبو ناصر (فلسطين)