ثورة في إيران؟

ثورة في إيران؟

08 اغسطس 2018
+ الخط -
دخلت أمس الثلاثاء موضع التنفيذ الحزمة الأولى من العقوبات الأميركية على إيران، وتشمل قيودا على قطاعي السيارات والطيران وتجارة الذهب والمعادن وغيرها. وتبدأ الحزمة الثانية، المتوقع أن يكون تأثيرها أشد، في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتشمل قطاعي الطاقة والمصارف. وعلى الرغم من نفيها السعي إلى تغيير النظام، كما جاء في شهادة وزير الخارجية، مايك بومبيو، الأخيرة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إلا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترمي، بالتأكيد، إلى إشعال ثورة تودي بالنظام الإيراني، أو تسهم في إضعافه، ودفعه إلى الاستسلام.
واقع الحال أن إيران تشهد كل ثلاثة إلى أربعة عقود تقريبًا ثورة، وقد عرفت خلال القرن العشرين، وفق هذا المعدل، ثلاث ثورات: الدستورية أو المشروطية (1905- 1911)، ثورة مصدق (1951-1953)، والثورة الإسلامية (1978 - 1979). وعلى الرغم من صعوبة التمييز بين ما يمكن اعتباره محليا وخارجيا في أسباب قيام هذه الثورات، فإن الثورة كانت تشتعل في كل مرة بفعل عوامل ذات طابع محلي، (فقر، ظلم، فساد، بطالة، استبداد، وانسداد الأفق السياسي... إلخ)، إلا أن نتيجتها (نجاح أو فشل) كانت تقرّرها دائما عوامل خارجية (تدخل لصالح الثورة، أو لصالح النظام). في عام 1906 نجحت قوى الثورة (البازار والحوزة الدينية خصوصا) في فرض الدستور على الشاه بدعم بريطاني، لكن الشاه عاد بدعم روسي، بعد خمس سنوات من الصراع الأهلي. في عام 1951، نجح مصدق في تأميم النفط وطرد الشاه، لأن إدارة الرئيس الأميركي، هاري ترومان، قرّرت دعمه، لإخراج البريطانيين من البلاد، لكن إدارة ايزنهاور التي جاءت بعدها قرّرت إطاحة مصدق، خشية تنامي المد الشيوعي في عهده، وأعادت الشاه. في عام 1979 انتصرت الثورة وهرب الشاه، لأن إدارة كارتر انقسمت بشأن ما إذا كان ينبغي دعمه، هذه المرة، أم تركه يسقط، والرهان على النظام الجديد (قارن مع السلوك الأميركي حيال ثورة يناير 2011 في مصر). فما هي فرص أن تؤدي عقوبات ترامب إلى اندلاع ثورة جديدة في إيران، وما فرص نجاحها في إسقاط النظام إذا اندلعت؟
سوف تزيد العقوبات الأميركية الوضع السيئ سوءاً، وكثير من عوامل قيام الثورة في إيران متوفرة، فهناك أزمة اقتصادية خانقة، بعضها مرتبط بالعقوبات، لكن أكثرها مردّه سوء الإدارة والفساد وسيطرة "حراس الثورة" على جزء كبير من النشاط الاقتصادي في البلاد. كما أن نسب البطالة مرتفعة، خصوصا في أوساط الشباب المتعلم، والفجوة بين الطموحات والإمكانات لا تفتأ تتسع، وهناك الفجوة الجيلية أيضا، وأكثر الشباب لا يذكر نظام الشاه ومخابراته (السافاك)، ولا الدور السيئ الذي لعبته الولايات المتحدة في عهده، ما يعرفونه أنهم يعيشون في ظل قبضة أمنية لا تقل سوءاً. وهناك، فوق ذلك، انقسامات عميقة بين النخب حول أغلب قضايا السياستين الداخلية والخارجية، ما يسهم في إضعاف النظام. وعليه، من المنطقي توقع اتساع نطاق الاحتجاجات القائمة أصلا بتأثير العقوبات "الترامبية". ويمكن إذا توفرت القدرة على التنظيم والحشد والتعبئة، ودفع الطبقات الوسطى في المدن، خصوصا العاصمة، إلى المشاركة، أن تتحول الاحتجاجات الى ثورة.
لكن توفر شروط اندلاع ثورة لا يعني توفر شروط نجاحها، ففي مواجهة نظام عكف خلال أربعة عقود من الحصار والتهديد على صناعة وسائل أمنه، وحفظ بقائه من حرس ثوري (150 ألف عنصر) وقوات التعبئة "الباسيج" (عددها 6 ملايين)، فضلا عن الجيش والمخابرات والداخلية، وما يرتبط بها من جماعات مصالح وشبكات زبائنية، لا يمكن لأي ثورة شعبية، مهما بلغ اتساعها، أن تواجهها. ثم أن هذا النظام، ونتيجة أهمية إيران في موازين القوى الإقليمية والدولية، يعتمد أيضاً على شبكة دعم خارجية (عمادها روسيا والصين) لا تريد لإيران السقوط في الفلك الأميركي. لهذا، يمكن القول إنه، وبعد أربعين عامًا على آخر ثورة فيها، وبحسب "التقليد" السائد، ربما يكون الوقت حان فعلا لوقوع ثورة جديدة في إيران، ولكن يصعب تصور أن تؤدي هذه الثورة إلى هروب "الشاه"، من دون مساعدة خارجية كبيرة، وهو أمر صعبٌ في الظروف الراهنة، إلا إذا أساء النظام التقدير، وقرّر مثلاً إغلاق مضيق هرمز.