نصر من الردة

نصر من الردة

06 اغسطس 2018
+ الخط -
ثالثة الأثافي وكل ما يمت لها بصلة، أن تمر الأحداث التي عصفت في الوطن العربي بوجه عام، وسورية خصوصا، وسط حالة من غياب الوعي وخلط الحابل بالنابل، وكأن طوفان الدماء والدموع، وسياط الجلادين التي ألهبت الظهور، لم تقو على تحفيز خلايا المقاومة الهاجعة فينا، للتحرّر من ظاهرة القطيع.
يدرك المرء أن التاريخ يكتبه المنتصر، أما العصي على الإدراك أن يكتب التاريخ المهزومون الخونة، من المرتدّين عمّا أجمعت عليه هذه الأمة، ودفعت ثمنا له من دماء فلذات أكبادها، وقدّمتهم قرابين على مذابح الحرية والتحرّر للعيش بكرامة، بعيدا عن الاستبداد والظلم والجهل.
ما أن يدقّ كوز السؤال ببقايا الجرة السورية، حتى تبدأ تلك الألسن الملقاة على قارعة الطريق تحت يافطة التحزب الأعمى بالثرثرة، تنهال المصطلحات والجمل المعلبة من كل حدب وصوب: مؤامرة كونية، المقاومة والممانعة، القرار السوري المستقل، الكبرياء القومي، مصطلحات تلقي عن كاهل قائلها عناء التدبر، وتتحالف مع أساليب أنظمة الاستبداد والتخلف لتكريس حالة القطيع الذي يساق للمسلخ وهو آخر من يعلم، وتحضر العصا الغليظة لكل من تسول له نفسه شق الطاعة عن الطاغية.
عندما انطلقت الثورة في الجنوب السوري، مطالبة ببعض الحقوق المشروعة إنسانيا، وأخلاقيا ودينيا ووطنيا. حينها لم تحرّض المخابرات العالمية ابن مدينة درعا، ولم يُكشف له عن جهةٍ ما تدير هذا العالم، ليتواصل معها، وتصبح الثورة مؤامرة كونية. كانت مطالب بسيطة، ولم يكن من بينها تغيير النظام، مطالب مشروعة، إلا في عرف الاستبداد، فهي محرّمة وخيانة وطنية، فكشرت الطائفية عن أنيابها، وشحذت كل آلة الموت والدمار، لمواجهة محتجين سلميين.
هكذا وبكل بساطة، أراد أيتام بني الأسد من شبيحة وجحافل "مثقفين"، أن نعيش بذاكرة السمكة، والقفز على المقدّمات الحقيقية التي أفضت إلى كل هذا الدمار، حتى يسهل صياغة النتائج التي تخدم الاستبداد والطغيان، والسؤال المطروح: ما هي الشروط الواجب توفرها، ليطالب السوريون بحقوقهم بدون مطاردة تهمة المؤامرة الكونية؟
أما ما يثير الغثيان حتى القرف فهي أسطوانة المقاومة والممانعة، وخيوطها المتشعبة المتشابكة، وكأنها كتلة خيوط داعبتها يد قطّة وصغارها، أسطوانة تكاد تسقط عقودا من الذل والهوان، تكاد تنسيك أن الجولان أرض سورية محتلة، جبهة لم تشهد أي خرق أمني، حتى من ماعز جبلي اشتاقت روحه للانعتاق، ناهيك عن اشتباك مسلح طوال فترة الاحتلال.
ولأن الهزيمة يتيمة، والنصر له ألف أب، يبدع الشبيحة في اختلاق أسباب هذا الدمار لصناعة أبواتٍ لنصر لا يضاهيه إلا السقوط في الهاوية، نصر مجبول من ردّة ثقافية لم تشهد لها البشرية مثيلا، ويدفنون السبب الحقيقي، ليتطهّروا من الهزيمة، فالمؤامرة لم تكن على سورية، فسورية في عهد بني الأسد لا تملك أدنى المقومات لتهدد مصالح اقتصادية للدول العظمى، إنما المؤامرة على الديموقراطية في أمةٍ، يراد لها أن تبقى قابعة في أودية التيه بعيدا عن أي تحرّر.
مصر، ليبيا، اليمن.. طالتها المؤامرة على الثورة المطالبة بالديموقراطية، الديموقراطية التي ساهم في وأدها لقطاء الثقافة من أيتام بني الأسد، إذ على الرغم من الدماء والاغتصاب والتشريد، وبدون التقليل من فظاعة هذه الأفعال، يبقى التّطرّف الفكري العلماني عند مثقفي الأسد، والذي لا يقل عن التّطرّف الديني، أهم ما كشفت عنه الثورة السورية.
38F8D4A4-02D6-4645-A8FB-28EE18CED7EE
38F8D4A4-02D6-4645-A8FB-28EE18CED7EE
أسامة العربي (فلسطين)
أسامة العربي (فلسطين)