تراجع إيراني تكتيكي

تراجع إيراني تكتيكي

06 اغسطس 2018
+ الخط -
أمام تصاعد الضغوط الأميركية على أكثر من مسار، تتظاهر إيران بالتراجع خطواتٍ، خصوصاً في الملفات التي لا تتحرّك فيها الولايات المتحدة منفردة، وهي ملفات متعدّدة ومتشابكة. وتعد سورية نقطة الضعف الأكبر لدى طهران، حيث يتعدّد اللاعبون، وتتشابك المصالح، وتتقاطع الحسابات بين أطرافٍ كثيرةٍ، معنيةٍ بالملف السوري.
وعلى الرغم من أن طهران دخلت على خط الأزمة السورية مبكّراً، وكان لها السبق في الوجود والنفوذ على الأراضي السورية، بدعوةٍ رسميةٍ من نظام بشار الأسد، إلا أنها انضمت أخيرا إلى قائمة الأطراف الأضعف في المعادلة السورية، بعد كل من نظام بشار والمعارضة على الترتيب، فقد صارت إيران حالياً في مأزق بشأن سورية، إلى حدٍّ دفع المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إلى أن يقول، في تصريح غير مسبوق، إن بلاده "يمكن أن تخفض أو تنهي وجودها الاستشاري في سورية، في حال شعرت باستقرار نسبي هناك، وأنهت مهمة القضاء على الإرهاب".
يوحي خروج تصريح رسمي كهذا بأن الوجود الإيراني في سورية إلى زوال قريب، أو على الأقل تقلص وتحجيم، وهو تطوّر ليس عفوياً بالطبع، بعد أن كانت في السابق تعلن بجرأة أن وجودها في سورية ليس موضع نقاش، وأن تدخّلها هناك ليس فقط لدعم النظام، لكن أيضاً لحماية مصالحها. وأنها لن تخرج من سورية قبل خروج كل القوات الأجنبية.
هذا التحول في موقف طهران المعلن، وليد معطيات استجدّت على المشهد السوري في الأشهر الأخيرة. أهمها دخول إسرائيل على خط الأزمة مباشرة وعلنا. ومع تبلور أفكار وتصورات حول مصير سورية، ومستقبل الوجود الأجنبي فيها، تملكت تل أبيب المخاوف من تثبيت إيران وجودها في سورية، خصوصاً في المناطق القريبة من فلسطين. وتحركت إسرائيل على أكثر من مسار، فراحت تقنع موسكو بضرورة الضغط على طهران، وأثمرت التّحركات الإسرائيلية نتائجها سريعاً، فأعلنت موسكو أن إيران بدأت بالفعل في نقل قواتها إلى ما يزيد عن 85 كيلومتر بعيداً عن الجولان. وكان لافتاً حرص موسكو على إعلان أن هذا التدخل الروسي لدى طهران تم تلبية لمطالب إسرائيل، وتجنباً لهواجسها الأمنية.
تدرك طهران صعوبة موقفها الراهن، في ظل تربص أميركي تحت قيادة ترامب المندفع، ومحاولة روسيا ترضية إٍسرائيل وضمان وجود عسكري مستقبلي لها في سورية.
على صانعي القرار في واشنطن وموسكو وتل أبيب، وقبلهم في الدول العربية، قراءة المشهد من كل جوانبه، فطهران التي تمر بأزمةٍ داخليةٍ وضغوط خارجية متنوعة، لن تتنازل عن حصد مكاسب دورها الداعم نظام بشار الأسد، خصوصاً بعد أن بدأ النظام بالفعل في استعادة أراضٍ سورية كثيرة. والأهم أنه حصل بالفعل على قبول إقليمي وعالمي، بالبقاء في السلطة، حتى إشعار آخر. وليس من المتصوّر أن تتنازل إيران عن "نصيبها" من الكعكة السورية بتلك السهولة، بل إن قبولها الابتعاد عن الجولان بهدوء، وتجنب استفزاز إسرائيل، يشي بأنه تراجع تكتيكي، وليس استراتيجيا.
وفي موازاة المعطيات الجديدة التي تضغط على إيران، وتدفعها إلى تقديم تنازلات أو مواجهة تحديات صعبة في سورية، ثمّة أمر واقع يصب في صالح الحسابات الإيرانية في سورية. أهم مكوناته ذلك الاتساق العقيدي والمصلحي بين طهران ونظام بشار الأسد، وورقة حزب الله اللبناني التي تجيد طهران تحديد توقيت استخدامها وأسلوبه.
أخيراً، إيران على وعي تام بأن كلمة السر في بقائها أو رحيلها عن سورية ليست موقف موسكو، أو حتى موقف واشنطن، وإنما هي إسرائيل. وتملك إيران خبرة طويلة في التعاطي مع تل أبيب، وإدارة علاقة متوازنة معها. لذا لن يكون غريباً أن يستدعي الطرفان هذه الخبرة بمهارة وبراغماتية في سورية.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.