تحدّيات برسم "إخوان مصر"

تحدّيات برسم "إخوان مصر"

06 اغسطس 2018
+ الخط -

لا تزال جماعة الإخوان المسلمين المصرية تعيش حالة من عدم التوازن، منذ إخراجها من السلطة قبل خمسة أعوام. وقد دخلت الجماعة في حالة من التأزم السياسي والتنظيمي والحركي، بفعل ذلك الحدث المزلزل الذي لا تزال تداعياته وتأثيراته واضحةً على الجماعة. وفي الوقت الذي لم تقم فيه الجماعة، أو ما تبقى منها، بعمل مراجعة نقدية جادّة لفكرها وخطابها واستراتيجيتها على خلفية ذلك الحدث، فإنها تواجه الآن حرباً ضروساً لإبادتها، والإجهاز عليها والتخلص منها محلياً وإقليمياً ودولياً.
وهنا يمكن رصد أربعة تحديات رئيسية تواجه الجماعة حالياً، ومن المتوقع أن تستمر معها خلال السنوات المقبلة، وسيكون لها تأثير بالغ على مستقبلها. أولها تحدّي البقاء الفاعل، فالجماعة، وإن نجحت نسبياً في امتصاص صدمة الانقلاب عليها، وما تلاه من محاولة للاستئصال، إلا أنها فقدت القدرة على التأثير، أو تحريك الأحداث، وأصبحت حركتها شبه مشلولة في مصر، بفعل الملاحقات والمطاردات والتصفيات التي تعرّض لها قادتها وشبابها. وإذا كانت الجماعة لا تلام على هذا القمع غير المسبوق الذي تتعرّض له، إلا أن استجابتها لذلك القمع شابها تخبط وانقسام كبيران أثرا كثيراً على صورتها جماعة موحدة ومتماسكة. ربما ستظل الجماعة على قيد الحياة وقتا غير قليل، خصوصا في ظل عدم وجود بديل، يمكنه ملء فراغها السياسي والمجتمعي، لكنها ستكون حياة بلا روح أو فاعلية.
أما التحدّي الثاني، فيتعلق بقدرة الجماعة على إيقاف النزيف الداخلي، ورحيل قطاع غير قليل من شبابها، سواء باتجاه التشدّد والتطرّف أو باتجاه النزوح خارج الجماعة، والتحلل من عباءتها التنظيمية. فعلى مدار الشهور القليلة الماضية، فقد كثيرون من شباب الجماعة، خصوصا من هم دون الثلاثين عاما الثقة في قيادة الجماعة، سواء بسبب أخطائها الاستراتيجية، وسوء قراراتها، ورعونة خياراتها. وقد اتجه بعض هؤلاء الشباب باتجاه الجماعات الراديكالية، في حين اتجه آخرون باتجاه خيارات تتراوح بين الانكفاء على الذات، أو البحث عن أطر حركية أكثر رحابةً واستيعاباً لهم ولأفكارهم. وقد رأينا في الأعوام القليلة الماضية نماذج لهذا النزوح خارج الجماعة، وهو وإن كان أمراً مكرّراً عبر تاريخ الجماعة، إلا أنه يحدث الآن في وقت الأزمة، ولأسبابٍ في أغلبها خاصة بقيادة الجماعة، وكيفية إدارتها الأمور.
والتحدي الثالث هو الخروج من عباءة الماضي، سواء على مستوى الفكر أو الخطاب أو الاستراتيجية، وما يستلزمه ذلك من عمل مراجعات وجراحات كبرى، لمقولات وأفكار كثيرة ترسخت بفعل الزمن الحركي للجماعة، وتحولت إلى مسلماتٍ لا يجوز الاقتراب منها أو نقدها. وكنت قد أشرت في كتاب لي صدر قبل حوالي عقد عن "الشيخوخة" التي تمر بها الجماعة، والتي انكشفت بوضوح بعد ثورة يناير 2011، وترسخت في مرحلة ما بعد الانقلاب، فالجماعة تدفع الآن فواتيرها المؤجلة، في ما يخص الجمود الفكري، والتحجر التنظيمي، والرعونة السياسية. كذلك كتبت قبل عامين ونصف العام في "العربي الجديد" عن "السقوط 
الحر للإخوان" مشيراً إلى أنه "على مدار العقد الماضي، تحولت جماعة الإخوان المسلمين إلى كيان بيروقراطي كبير ومتضخم، لا يستطيع الحركة بدون وجود قيادة مركزية توجهه وتدير حركته. لذا، فعندما غابت القيادة دخلت الجماعة في دوامة كبيرة من الصراع والانقسام والتشاحن"، وتبدو الجماعة الآن كما لو كانت مثل مريضٍ ينزف، وبحاجة إلى عملية جراحية عاجلة، لكن المشكلة في عدم وجود طبيب يمكنه القيام بذلك.
أما التحدي الرابع فهو الحصار الإقليمي والدولي المتزايد الذي تتعرّض له جماعة الإخوان، والذي تضيق حلقاته بشكل سريع، وقد يفضي قريباً إلى خنق الجماعة سياسياً وتنظيمياً ومالياً وحركياً وإعلامياً، فالحملة التي تشنها قوى الثورة المضادة على الجماعة يتزايد تأثيرها بشكل كبير، ويتحرّك ذراعها الدولي بشكل ممنهج ومخطط ومنظم، وسوف تؤتي ثمارها في المستقبل القريب. وذلك في ظل رعونة واستخفاف، غير مفاجئ، من قيادة الإخوان الحالية التي لا يبدو أنها تعي جيداً حجم المخاطر التي سوف تترتب على هذه التحرّكات الإقليمية والدولية. وقد بات تصنيف إخوان مصر جماعة إرهابية على مرمى حجر في الدوائر السياسية الأميركية، خصوصا الكونغرس، وهو أمر إن حدث، ستكون له عواقب وخيمة على الجماعة والمرتبطين بها وداعميها.
لا يمكن لجماعة الإخوان أن تستمر بالشكل القديم نفسه الذي ظلت عليه أكثر من ثمانين عاماً، ولن تتمكّن الجماعة من العودة بعجلة الماضي إلى الوراء مهما حدث، ولا سبيل لخروجها من أزمتها الراهنة إلا بإجراء تغييرات جذرية فكرية وتنظيمية وقيادية، وإلا فسيقرأ أعضاؤها ومؤيدوها، أو من تبقى منهم، الفاتحة على روح الجماعة قريباً.

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".