عن الكتيبة الطلابية وناجي علوش.. تعقيب على الطاهر وكيلة

عن الكتيبة الطلابية وناجي علوش.. تعقيب على معين الطاهر وسلامة كيلة

31 اغسطس 2018

مقاتلون فلسطينيون يتهيأون للخروج من بيروت (30/8/1982/ فرانس برس)

+ الخط -
حدّد الكاتب الفلسطيني، سلامة كيلة، في مقاله "الكتيبة الطلابية وتجربة ناجي علوش ويسار فتح" في صحيفة "العربي الجديد" (5 أغسطس/ آب 2018)، هدفه من كتابته ونشره، وهو توضيح موقع القيادي والمناضل الفلسطيني، ناجي علوش، في تجربة الكتيبة الطلابية (في السبعينيات في لبنان) ويسار حركة فتح عموما. وجاء على ما اعتبره المقال استمرارا للتعامل "بخفّة" مع علوش وأدواره وتاريخه. وكتب كيلة إنه يخشى من تزايد التقويل والتحوير وتجاوز الحقائق واتساع مساحة (تزوير) التاريخ، كما يصف، بعد رحيل الرجل (توفي في العام 2012)، وأن ذلك كله ما جعله يرد على بعض من أطراف يسار "فتح" الذي كانت الكتيبة الطلابية فرعا صغيرا منه، وكان يعرف بـ "جماعة ناجي علوش". ويستعيد مقال سلامة جملة من القضايا السياسية والفكرية التي دارت بشأنها سجالات واصطفافات في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، مبرزا موقف المرحوم ناجي علوش (أبو إبراهيم) من ذلك كله، ومدللا على صواب رؤيته في حينه. إلا أن مقال سلامة كيلة انعطف بشكل مفاجئ، في انعطافة غير موفقة، في تعليقه بشأن الكتيبة الطلابية، مشكّكا في جدوى نضالاتها إذا ما وضعت في السياق العام للتجربة الفلسطينية، وربطها ببرنامج القيادة الفلسطينية الذي انتهى إلى توقيع اتفاق أوسلو، ومقللا من مستوى معرفة آخر قادتها، المناضل مُعين الطاهر، بمجمل ظروف تشكيلها.
وقد أوضح مُعين الطاهر في مقاله "عن الكتيبة الطلابية .. في الرد على كيْل سلامة كيلة" في "العربي الجديد"، (13أغسطس/ آب 2018) موقفه النبيل من المناضل ناجي علوش، وشرح أخطاء مقال كيلة بشأن تأسيس "الكتيبة الطلابية"، مراجعاً التواريخ والسياقات، ومستفيضا في استعراض القضايا الخلافية، ومواقف الأطراف منها، وبطبيعة الحال رفض وضع الكتيبة ونضالاتها في السياق "الرجعي" الذي تحدّث عنه مقال سلامة. كما أكد مُعين المواقف السياسية الخلافية السابقة، وتمسكه بالمواقف نفسها، إلا أن مقاله انعطف بشكل مفاجئ، في انعطافة غير موفقة أيضا، في ذكره أن السياسة الأخرى التي تبنّاها سلامة كيلة (يُفهم أنها كانت سياسة ناجي علوش وتياره)، فإنها كانت الانضمام إلى جماعة المنشق عن حركة فتح، صبري البنا (أبو نضال)، وتقديم الغطاء لسياسة الاغتيالات التي انتهجها الأخير في صفوف منظمة التحرير. ومن ثم يعلن مقال مُعين بشكل جازم (أنهم) أي سلامة (وتيار أو جماعة أو حركة ناجي علوش، بغض النظر عن المسميات)، على الرغم مما يدّعون من ادعاءات خجولة بـ (أنهم) كانوا يقاتلون العدو الصهيوني، فإنه ادّعاء لا يوجد عليه دليل واحد، لا في حقبة أبو نضال السوداء ولا بعدها، وبالتالي يوصل مقال مُعين القارئ إلى إنكار ذلك كله.
.. إنه كلام صادم من الاثنين، سلامة كيلة ومُعين الطاهر. فلا الكتيبة الطلابية تستحق السياق 
الذي وضعها فيه مقال سلامة، ولا سياسة ناجي علوش وتياره تستحقّ ما وُصِفَت به في مقال مُعين. وليست هذه السطور في وارد الدراسة أو المراجعة التاريخية لما ذكره الكاتبان، فهذا جهد كبير وجماعي، كما أنه لا يمكن التعليق بإسهاب وتفصيل على كل ما ورد في مقاليهما من قضايا مهمة، إنما ستحاول هذه المقالة الإضاءة على بعض الزوايا، باستعراض بعض الأحداث، مع العلم أن كل ذلك هو جزء من حوار مشروع ومستمر. ولعل الجزء الأسهل هو تأكيد موضوع محسوم، وهو أن نضالات أبناء شعبنا الفلسطيني، وتضحياتهم الفردية، فوق أي نقاش (وضمن ذلك الكتيبة الطلابية)، ما دامت قد توجهت ضد العدو الصهيوني، ولا ينتقص من شأنها أبدا إن كانت القيادة السياسية قد بدّلت وغيّرت، ووضعت نتائج نضالها في سياقات أخرى، بحسب بعض وجهات النظر. ولا بأس، من حيث المبدأ، في تعدّد الروايات بشأن تاريخ الكتيبة الطلابية، شأن محطات تاريخية كثيرة، يمكن أن تُروى من زوايا متنوعة، ومنها روايات تعود بنشأتها إلى العام 1972 ضمن "التنظيم السرّي" داخل حركة فتح، كما يروي المشارك في قيادة هذا التنظيم، عماد ملحس، والذي يفيد بأنه نتيجة خلاف فكري نشأ مع منير شفيق (كان أمين التنظيم السرّي) بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، انفصل شفيق بجزء مهم من "التنظيم السرّي" في لبنان، وهو ما تطور لاحقا ليصبح الكتيبة الطلابية عام 1975.
كان "يسار فتح" تيارا فاعلا ونبيلا ومتواصلا، وليس ظاهرة عابرة أو صوتية كما ذُكرت في مقالات غير اللذيْن بين أيدينا، وأطل برأسه في عدة مواقع، باتت معروفة للجميع، وسيظلّ مجديا إعادة دراستها وتوثيق ما أُغفل منها. أما في استمرار الخلاف بشأن قضايا سياسية أثارها سلامة ومُعين، فإن بعضها تم حسمُه، وما انقضاء الزمن وما نتج منه إلا دلائل على صواب الرأي، أو خطئه، في المسائل التي "نظّر" لها بعض الإخوة سابقا. ومنها الموقف من حزب الكتائب، وهو الحزب الذي انقضّ على الوجود الفلسطيني في لبنان، كلما سنحت له الفرصة وبطريقة ممنهجة، وفي حوادث مؤلمة وشنيعة وجبانة، ومن قبل مجزرة تل الزعتر وبعدها وصولا إلى "صبرا وشاتيلا" وما تلاها، فما زلنا لا نتفهم كيف كان الاصطفاف مع القوى اللبنانية التقليدية و"القوى الانعزالية" في مواجهة قوى الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية أقرب إلى الصواب!
وحدهما نمر صالح (أبو صالح) وناجي علّوش، في ما يعلم كاتب هذه السطور، وآخرون من "يسار فتح" كانوا من دعاة المشاركة الفعليّة في المعركة من أجل كسر شوكة اليمين اللبناني الانعزالي بأشكاله. وكان الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، وجبهة
 الرفض يرون مبكراً أن حزبي الكتائب والوطنيين الأحرار يشنّان حرباً بالوكالة عن العدو الإسرائيلي، وأن الحرب، وإن كانت لبنانيةً في الأساس، فإنها قوميةٌ في أبعادها الظاهرة والمستترة، وأن من الضروري كسر شوكتها، وتغيير ميزان القوى على الأرض وبسرعة، كي لا تطول الحرب. وكان منير شفيق من أنصار تحييد الثورة عن تلك المعركة، وذلك تركيزاً منه على "التناقض الرئيس". وبالطبع، كانت الأنظمة العربية التي تتآمر ضد الثورة تستفيد من "الأفكار الماوية" في الفصل بين أصناف التناقضات وتأجيلها (كما يصف الكاتب أسعد أبو خليل). وعموما، سادت وجهة نظر زعيم حركة فتح، والقائد العام، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسر عرفات، في ضرورة الحفاظ على ميزان القوى المنقسم بين بيروتين، "شرقيّة" و"غربيّة"، الأمر الذي أطال سنوات الحرب، ومكّن القوى الانعزالية من استمرارها في مهاجمة الوجود الفلسطيني، حتى إخراجه من لبنان. والسؤال مجدّدا: هل يصح اعتبار كل تلك المواقف بالقدر والقيمة نفسيهما؟! بغض النظر عن وجهة النظر التي انتصرت فيما بعد.
وفي تلك المواضيع كلها، حدد ناجي علوش موقفه، مبكرا ومستشرفا، في مقال نشره في العام 1974، ذكر فيه أن هناك حقيقتين أساسيتين: أن الثورة تخون قضيتها إذا وافقت على أن تصبح جزءا من الاستراتيجية العربية الرسمية، ما دامت هذه الاستراتيجية لا تتجه إلى القتال. وأن التنسيق غير وارد بين الذين يقاتلون والذين لا يقاتلون، بين الذين يتصدّون للعدو والذين يفتحون له الأبواب والنوافذ.
وبالعودة إلى الجزء المتعلق بناجي علوش وموقعه، وتياره وموقعه في المعركة، كما حدد ذلك مقال سلامة كيلة، والرد كما جاء في مقال مُعين الطاهر، وبالرجوع إلى أخبار تلك المرحلة، لم يتم العثور على أي دليل يفيد بأن ناجي علوش أو محمد عودة (أبو داود) أو منير شفيق أو عماد ملحس، كانوا منبهرين بأي فكر سياسي أو نضالي لدى صبري البنا (أبو نضال)، الذي لم يزد حينها عن كونه كادرا "متمرّدا" ضمن حركة فتح ومجلسها الثوري. ويبدو أنه (أبو نضال) كان مدركا أنه لا يشكل بديلا سياسيا مقنعا لأحد، ولم يكن على مستوى مجموعات ناجي علوش أو منير شفيق أو محمد عودة (أبو داود) أو ماجد أبو شرار أو نمر صالح (أبو صالح) أو سميح أبو كويك (قدري) أو أبو خالد العملة. وما زال عماد ملحس على قيد الحياة، ويستطيع تقديم شهادته عن ذلك كله، وهو الذي كان العضو الخامس في قيادة "التنظيم السري" في حركة فتح الذي تشكل من ناجي علوش وأبو داود ومنير شفيق وأبو نضال عام 1972، وامتلك برنامجا قوميا ديمقراطيا، على أساس أن لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية.
أما ما ذُكر في مقال معين الطاهر عن تقديم حركة ناجي علوش تغطية سياسية لاغتيالات أبو نضال ففيه، للأسف، مغالطة كبيرة، حيث إن "الطلاق" مع أبو نضال تم عندما تأكد قيام الأخير بعمليات الاغتيال التي استنكرها الجميع في الساحة الفلسطينية، والتي كان يغطّيها أبو نضال ويسترها بأسماء جهاتٍ مصطنعة. وبعد شراكة مباشرة لم تستمر أكثر من عام، خرج أبو إبراهيم (ناجي علوش)، وخرج معه عماد ملحس وشمس التيني ونبيل عرنكي ورفاقهم، تاركين وراءهم مقدرات التنظيم وإمكاناته التي كان أبو نضال قد أحكم السيطرة عليها قبل فترة طويلة. وأسس أبو إبراهيم ورفاقه "حركة التحرير الشعبية العربية" في مارس/ آذار 1979، وأعلن أبو نضال الحرب على ناجي علوش ورفاقه وحركته، وأصدر حكما بإعدامه. وبالفعل، تمكن لاحقا من اغتيال الشهيد نبيل عرنكي في إسبانيا. وبالتالي، لا يصح القول إنه تم توفير غطاء سياسي لاغتيالات أبو نضال، وهو الذي طارد أبو إبراهيم واغتال رفاقه.
وفي ما يتعلق بمقارعة العدو الصهيوني، ومشاركة ناجي علوِش وتياره (أو حركته) في القتال من عدمها، وقبل ملاحقتة من أبونضال بقليل، ولإنارة بعض الزوايا في تاريخ تلك الحقبة التي ربما لا يعلمها كثيرون، نورد أنه كانت تجري ملاحقة ناجي علوش من المرحوم ياسر عرفات الذي كان قد أصدر أمرا باعتقاله، على خلفية رفضه اتفاق وقف إطلاق النار برعاية فيليب حبيب، في صيف العام 1982، إبّان الاجتياح الإسرائيلي بيروت. وقد دفع هذا الأمر المناضل محمد أبو ميزر (أبو حاتم) إلى عقد مؤتمر صحافي علني، تحدّى فيه قرار عرفات لإلغاء أمر الاعتقال.
الشاهد أن أبو إبراهيم أُجبر على التخفي شهورا عديدة، وبقي مطاردا، متنقلا من بيت إلى بيت (يستطيع الكاتب رشاد أبو شاور تأكيد ذلك لمعايشته المباشرة)، خصوصا بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام في الشهيدين، أبو أحمد وعلي سالم (أبو عماد)، رفيقي أبو إبراهيم، والمرتبطين تنظيميا به، والمعروفين تماما في معركة تل الزعتر، إثر استدراجهما إلى محكمة صورية، حيث وقعا في كمين الاعتقال ومن ثم الإعدام، بموجب أوامر الاعتقال السابقة (القضاء الثوري!). وبات ناجي علوش "أبو ابراهيم" ملاحقا من الطرفين معا: عرفات من جهة، وأبو نضال من الجهة الأخرى. وكان يكفي أن يلاحقك أحدهما لتنقلب حياتك رأسا على عقب، فما بالك بالاثنين سويّا.
وقد تمت الإشارة في كتاب مُعين الطاهر، "تبغ وزيتون" (المركز العربي للأبحاث ودراسة 
السياسات، 2017) إلى مجموعة الفدائيين المكونة من 120 فدائيا، بقيادة أبو إبراهيم وأبو داود، التي رفضت تفاهمات وقف إطلاق النار مطلع عام 1978، وانطلقت إلى الجبهات مع العدو الصهيوني، رافضة تفاهمات التهدئة. وقد تم اعتقالهم، وكان للكتيبة الطلابية دور في ذلك الاعتقال. وقد روى مُعين الحادثة من الزاوية التي عايشها، وهو محقّ في ما رواه، إلا أن خلفياتها كانت أبعد وأشمل مما أشيع عن أنها أشبه بخطوة انقلابية أو انشقاقية. ولعل شهادة أبو داود نفسه في هذا الشأن (يمكن الرجوع إليها) توضح الكثير حولها. وهنا، لا يستقيم القول إنه لا دليل على قتال العدو الصهيوني في أثناء حقبة أبو نضال السوداء، فالدليل قدمه مقال مُعين نفسه، من خلال دور الكتيبة الطلابية في اعتقال من توجّه للجبهات كما ذُكر سابقا، والذين تم الإفراج عن معظمهم خلال شهرين، وبقي 16 منهم قيد الاعتقال أكثر من عام.
وفي عام 1982، انخرط عناصر حركة التحرير الشعبية العربية، التنظيم الذي أسّسه ناجي علوش عام 1979، وشارك عناصره مع جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في إطلاق المقاومة ضد العدو الصهيوني بعد الاجتياح الصهيوني لبنان عام 1982، وقدّموا الشهداء وتضحيات كثيرة بقيت صفحاتها مطويةً حتى الآن، إلا على قلة، كما شاركوا بمجموعتين في بيروت في مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان في صيف عام 1982، من خلال مواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (يستطيع أبو أحمد فؤاد التفصيل في ذلك)، وكان من المشاركين إبراهيم ناجي علوش الذي كان أحد عناصر تلكما المجموعتين اللتين بقيتا على خطوط التماس مع العدو الصهيوني من 6 يونيو/ حزيران حتى 11 أغسطس/ آب 1982، كما يذكر في إحدى كتاباته. (تاريخ الحركة التي أسّسها ناجي علوش لم يكتب بعد). وهذا أيضا لا يستقيم مع ما ذكره معين الطاهر في مقاله بأنه لا دليل على قتال حركة ناجي علوش العدو الصهيوني في أثناء حقبة أبو نضال السوداء ولا بعدها.
الخلاصة، نحن مدينون لعناصر التنظيم الطلابي، أو السّرية الطلابية والكتيبة الطلابية، ولكل من ترك عمله أو دراسته، ليشارك في معارك العزة ضد العدو الصهيوني، ومدينون لكثيرين من الأشخاص الكبار الذين ساهموا، في صمت وتفانٍ، في إنشاء الكتيبة الطلابية، وجعلها مفخرة نعتز بها. وفي السجال السياسي، نحن مدينون لكل من استشرف مبكّرا المسار الكارثي الذي اختطته القيادات الفلسطينية المؤثرة، ولو بحسن النّية، كما أننا مدينون، دوما، لكل شهيد أو أسير أو مصاب أو مشارك في الدفاع عن قضيتنا.
.. لم تكن "الخيبات" حتمية، ولا نتفق مع المراجعات التاريخية ذات الطبيعة التبريرية للتاريخ التي تنطلق من قاعدة أنه "ما كان بالإمكان أفضل مما كان"، فالأجيال الحالية تحمل أثقال أجيالٍ سبقتها.
3DD3421D-3104-4F0C-AF91-AB5FAEAE79D1
3DD3421D-3104-4F0C-AF91-AB5FAEAE79D1
وائل ملالحة
وائل ملالحة