شاعرة وكاتبة في السجن

شاعرة وكاتبة في السجن

04 اغسطس 2018
+ الخط -
تشابهت الأقدار، شاعرة وكاتبة فلسطينيتان، خطتا بقلميهما المجد والعنفوان، خاطبتا جمهورا واحدا ومحتلا واحدا، بلغة واحدة. هما، الشاعرة دارين طاطور من الناصرة، والكاتبة لمى خاطر من الخليل.
الجرح واحد، انتفاضة السكاكين أو انتفاضة علي دوابشة في الضفة، ومسيرات العودة الكبرى في غزة، ألهبت مشاعرهما وأججت العواطف، فانطلق القلم صارخا بمقاومة المحتل ونبذ الذل والخنوع.
خط قلم الشاعرة دارين رسما شعريا بعنوان "قاوم يا شعبي قاوم" على مواقع التواصل الاجتماعي، وقرأتها بصوتها على اليوتيوب، فصنفت إسرائيليا أنها تدعو إلى العنف والإرهاب، فاعتقلت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015 وقضت في السجن 97 يوما، وصدر بحقها حكما بالسجن ثمانية أشهر. أما الكاتبة لما خاطر، فقد اعتقلت من منزلها تحت جنح الظلام، بسبب كتاباتها ومقالاتها، مودعة طفلها يحيى في مشهدٍ لا يوجد له مثيل إلا في فلسطين، وهي تنتظر المحاكمة، فماذا فعل قلم نادين ولما؟
ماذا لو لم يكن هناك احتلال استيطاني، يقتل الشجر والحجر والبشر، يغتال الإنسانية في فلسطين بالحديد والنار، بمحاكم عسكرية، بمعتقلات وسجون بربرية، بحواجز الذل والهوان، بخنوع عربي، وبسلطة فلسطينية مهزومة.. ربما كان لدارين اهتماما آخر، لربما قرأنا قصائد تتغنى بالطبيعة، بالجمال و...
كيف يمكن لشاعرة مرهفة أن تشاهد البراءة تغتال بحقد وكراهية، تسحق عائلة بأكملها بالنار، تحرق الطفولة على يد مستوطنين يحميهم جنود محتلين، يستبيحون دم الفلسطيني، فهو أرخص وأحقر من أن يؤبه له.
كيف لقلم نادين ولقريحتها الشعرية، ألا تتحرّك مسجلة بطولة شباب وفتيات ينطلقون كالسهم ويسقطون كالثمر من أعالي الشجر، ليثمر زرعا مقاوما، يقارع ويقاتل، يسجل بطولات عجز عنها أعتى الرجال: قاومهم يا شعبي قاومهم/ قاوم سطوة مستوطن/ واتبع قافلة الشهداء... كيف يمكن لشاعرة أن تسكت عن اتفاقية الذل والهوان: لا تصغ السمع لأذناب/ ربطونا بالوهم السلمي/ وإن مت شهيدا فأنت/ لا تخشى ألسن ماركافا/ فالحق في قلبك أقوى/ ما دمت تقاوم في وطنك/ عاش العظماء والنصر.
وبمسافة تقدر بـ 131 كم عن الناصرة، كتبت لمى خلال هذه السنة مقالاتٍ عديدة، كتبت عن الشهيد أحمد نصر جرار "اسمه أحمد... والنصر شيمته"، فهو بالنسبة لها "حدث ليس قبله كما بعده، فهو انتشلنا من حضيض اليأس"، فهو "المجاهد ابن المجاهد، المنتصر ابن المنتصر، الشهيد ابن الشهيد" رأته كبيرا بفعله، لا يترك عذرا لأحد، "فإما أن تكون شهادة الانتصار كتلك التي حازها أحمد، أو لا تكون".
لاحقت الكاتبة لما أسمى هدف للشهيد "جرار"، فهو يحمل قيم البطولة والتضحية والنضال في وجه أعتى ظلم، وهو الاحتلال الإسرائيلي، في مقالته "مناعة لازمة لصد التزييف"، ذلك أن إنشاء مناعة ضد ما أسمته التزييف، وهو الخنوع عن مقاتلة العدو تحت ذرائع مختلفة، يجب أن يجابه "باعتناق المفاهيم الجليلة كأول خطوة على طريق الأفعال الكبيرة".
تسأل الكاتبة لما عن أحوال غزة، "كيف يمكن أن تكون الصورة المفترضة أو المتخيلة عن بقعة جغرافية صغيرة ومكتظة بالسكان ومحاصرة"، فتضع عنوانا لمقالها "هنالك دائما جديد لدى غزة"، فهي بنظرها كشفت مسرحية استهداف موكب رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، وتمكن فتية أربعة من أهلها من إحراق آلية حفر، ثم التحضير لمسيرات العودة الكبرى. وفي العام 2011 أدخلت الفرحة إلى قلوب الناس بتحرير الأسرى في صفقة المبادلة مع الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، فكان مقالها رسالة "برقية ولاء ومحبة... لنهمس في أذنها بأن تحاول المفاصلة مع المجرمين".
ستبقى قصائد نادين، ومقالات لما، فمن يقارع ويقاوم المحتل بقلمه وفكره في فلسطين، يعلم أن مصيره سجنا وسلاسل من حديد، يحجز جسدا، ولكنه لا ينهي فكرة، تجسّدت أثرا في شهداء الضفة، ومسيرات العودة في غزة.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)