كندا والسعودية.. السلاح وحقوق الإنسان

كندا والسعودية.. السلاح وحقوق الإنسان

30 اغسطس 2018
+ الخط -
لا تزال الأزمة بين كندا والسعودية تتفاعل، بعد حوالي شهر من تفجّرها، على إثر موقف كندي رسمي انتقد رداءة وضع حقوق الإنسان في السعودية، وطالب بوقف معاملة السلطات السعودية التعسّفية للناشطين. وتؤشر محطّات التصعيد وردود الفعل من الجانب السعودي إلى أن الأزمة لم تبلغ الذروة بعد، على الرغم من أن الرياض سحبت آلاف الطلبة الدارسين في كندا، ونقلت المرضى الذين كانوا يتعالجون في المشافي الكندية، وتقف وراء هذه الإجراءات ذهنية انتقامية، تريد إلحاق ضرر بالاقتصاد الكندي، وتوجيه رسالة إلى كل من يفكّر بانتقاد السعودية.
ومن جانب آخر، تفيد معلومات مؤكّدة بأن السعودية وجدت المشكلة فرصة للانسحاب من عقودٍ كانت قد أبرمتها مع الحكومة الكندية، وباتت غير قادرة على الوفاء بها، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها جرّاء سياسات ولي العهد، محمد بن سلمان، المتهوّرة وتبذيره مبالغ مالية طائلة على صفقاتٍ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهناك تسريباتٌ تتردد في بعض كواليس الديبلوماسية أن السعودية تفكر جدّيا بإلغاء عدة اتفاقات مع كندا، وخصوصا صفقة السلاح التي دار من حولها لغط كثير، وهي التي تم إبرامها عام 2014، وتعدّ أحد أكثر الملفات تعقيدا، ومنذ أن وقعتها الحكومة الكندية السابقة، برئاسة ستيفن هاربر، لم يتوقف الحديث عن مدى توافقها مع الدستور الكندي الذي يحرّم بيع سلاح إلى بلد ينتهك حقوق الإنسان، وقد جاء رئيس الوزراء الحالي، جاستن ترودو، ليتعامل مع الأمر الواقع، ويكمل السير بالصفقة التي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار، وعلى مدى 15 عاما. وكان رد ترودو حين طرح عليه الأمر أن بيع بلاده عربات نقل جنود مدرعة إلى الرياض يتوافق مع "المصالح الوطنية الكندية، ولا ينتهك حقوق الإنسان". وقال ترودو في اجتماع للبرلمان الكندي: قرار تصدير الأسلحة في كندا يُتخذ فقط في حال كان هذا يتوافق وسياستنا الدفاعية الخارجية، وبما يكفل عدم انتهاك حقوق الإنسان. ونهجنا في اتفاقنا مع السعودية يتوافق مع التزاماتنا الوطنية والقوانين الكندية".
وكانت الصحف الكندية قد كشفت في 2015 عن تفاصيل الصفقة بين الرياض وأوتاوا. وفي 2016 ، قال ترودو إن حكومته لن تلغي الصفقة، مشيرا إلى أن الاتفاق وقعته الحكومة الكندية السابقة المحافظة، وتم بالفعل بدء تنفيذه منذ السنة الماضية، وتسرّبت رواياتٌ عن استلام السعودية جزءا من الأسلحة، وتم تداول رواياتٍ عن استعمال الرياض بعض المركبات في عمليات قمع في منطقة القطيف.
وفي المرّات التي جرت فيها إثارة الموضوع، كانت أصابع الإدانة تتجه نحو كندا التي كان يعوّل عليها أن تحذو حذو دول أخرى مثل النرويج، وتحترم حقوق الإنسان، وتلغي الصفقة، وبقي الأمر يشكل عامل حرجٍ كبير للحكومة الكندية، حتى حصل الصدام الحالي الذي اختلطت فيه الأوراق، بسبب تصعيد السعودية غير المتناسب مع تغريدةٍ تنتقد المعاملة التعسّفية للناشطين الذين طلب بعضهم اللجوء السياسي وحصل عليه، كما الحال مع زوجة وأطفال المدوّن، رائف بدوي، المعتقل بتهمة الإساءة للدين الاسلامي.
وشكل رد الفعل السعودي مفاجأة لأوساطٍ كثيرة، وهناك معلومات تقول إن السر في الموقف السعودي يعود إلى قرار اتخذه بن سلمان بإلغاء الصفقة، كون السعودية غير قادرة على تسديد قيمتها، بسبب صعوباتٍ اقتصاديةٍ تعاني منها، خصوصا أن بن سلمان وقّع صفقاتٍ كثيرة مع الولايات المتحدة وبريطانيا تحت ضغوط سياسية، في مقابل تأييد توليه العرش حين يصبح منصب الملك شاغرا. وليس هذا السلوك جديدا من السعودية، حيث ألغت أضخم صفقة عسكرية مع تركيا، وصرفت النظر عن طلب أربع سفن حربية من الصناعة التركية، بعدما أتمت المملكة الصفقة العسكرية الكبرى مع الولايات المتحدة، في أثناء زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المملكة في مايو/ أيار 2017.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد