البنت حينما ترِقّ ضلوعها

البنت حينما ترِقّ ضلوعها

30 اغسطس 2018

(صفوان داحول)

+ الخط -
تتذكّر، في الحال، أن القلم في حقيبتها، فيحنو على ظهرها الكرسي الخيزران، وتنسى حتى كوب الشاي أمامها، ولا ترى حتى غزل الجالسين في المقهى. وتزرع وردا في حديقةٍ لم ترها، وتقول للفراشات من دون أن يسمعها أحد: أنا حليفتك في الأرض والسماء، حتى وإن زاد وزني.. وتقول للقمر: أنا سوف أغيظك، حينما يتألم من كلامي العشّاق، أو حينما يضرب العود على أوتاره في بيوت الحجاز.
حينما تميل البنت وتملك القلم، تكون "خنساء" في هودجها، بعدما تكحّلت في ليلة عيد، وتذكّرت الحديقة التي هجرت ريحانها. البنت حينما تكتب تفضح النخيل، وتلامس الرطب، وهي جالسةٌ في المقهى، والنقّاد هناك على الأبواب بشواربهم وحقائبهم يتغامزون في التأويل.
البنت حينما تكتب، من غير مقياس رسم أو مسطرة أو عصابة أو توكيل حزبي أو "فبريكة" ترجمة، تأخذ من فم شهرزاد العسل والحيل مباشرة، من دون واسطةٍ من أحد، وتصنع كتابةً لا تتّخذها حرفة أو سلما، ولكن يطير قلبها مع الحروف، وتعتبر ذلك حياةً لا وظيفة، أو حتى عنادا جميلا، فالوظائف في المجلس البلدي للدجاج والأرانب، والعناد يهذّب القلوب الطيبة، إن طالت العشرة معه بلا ادّعاء. أما لو ذهبت البنت إلى السوق، وعرفت أسعار الدجاج والأرانب، وعرفت المساومة على ما لا تملكه بعد، ولا نحن حتى نملكه، حتى وإن شرّفنا به، فقد دخلت المجلس البلدي، ولكل حصان أو بغل علفه والحشيش.. ولن تنبهها فراشة.
حينما تكتب البنت تصير أطيب من بهارات المطبخ، وأطيب من كل عطور الحديقة، وأخفّ من أي فراشةٍ في أصفهان، وأكحل من عيون صبايا الهند، ويُغازلها القمر من هناك، من دون أن تدري أو تهتم. لماذا سهرت هذه البنت في الشبّاك وكتبت؟ أمَا كان لها أن تلعب الشطرنج مع عمّها الذي يشبه كمال الشنّاوي في شبابه؟ أو تقرأ كتابا في فوائد عسل النحل؟ أو تشاهد مسرحية عفرتو للمرة الخمسين؟ أو حتى تذهب إلى القناطر الخيرية؟ أو حتى تحني كفّيها بالحناء؟
البنت حينما تكتب تضحك في سرّها على مصانع الضغينة التي تديرها كل الأُسر من "بير السلم"، وتتأمل البحر، وتعبر ضغائن الناس في هدوء. أما لو دخلت إلى دائرة الثعالب، وللأسف، غالبا ستدخل، لأن النسيم في بلادنا هكذا لا يدوم إلا لحظة الكتابة، وعندئذ، لا بد أن تشرب البنت من لبن الثعالب، وحتى لبن الضباع، وأحيانا القرود، وهكذا يكون لقدميْها الأثر على الرخام في السوق، ويكبر سعرها وتفارق اليمام، فيعرفها السوق، ويرحّب بها من غير سؤال، ومن حولها الذئاب، بعضُهم بلا أسنان، وبعضُهم قد أصابه المرض، وبعضُهم قد ذهب إلى الغابة، كي يأتي إلى صغاره بلحم الغزلان وتذاكر السفر.

دلالات