المركزي الفلسطيني ومحاولة الهروب من الغرق

المركزي الفلسطيني ومحاولة الهروب من الغرق

26 اغسطس 2018
+ الخط -
عقدت قبل أيام في رام الله اجتماعات الدورة التاسعة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، في أجواء غير مواتية محليا وعربيا وعالميا، وينعكس الأمر في ضعف المشاركة بها، والبيانات والخطابات المرافقة للاجتماع، كما في بيانه الختامي الذي قد يوحي لبعضهم بقوته وحسمه ومبدئيته. ولكن كيف بات الظرفان، الداخلي والخارجي، على هذه الشاكلة، وما مدى جدية هذه القرارات وعمليتها اليوم.
إذ يلاحظ من متابعة الأجواء السابقة والمرافقة للاجتماع؛ توالي الصفعات التي تتلقاها سلطة  رام الله ورئيسها محمود عباس، بداية من قرار اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس، مروراً بالحديث الإعلامي والرسمي عن "صفقة القرن"، إلى استبعاد سلطة رام الله أو تجاهلها من محادثات هدنة غزة، وأخيراً عبر مقاطعة أهم الفصائل والحركات الفلسطينية اجتماع المجلس المركزي، ما يشير إلى ضعف سلطة رام الله، وانهيار مكانتها وشرعيتها الداخلية والخارجية، على الرغم من تحكّمها وسطوتها المالية على غالبية القوى والفصائل الفلسطينية. من دون تجاهل أن عديدا من هذه الصفعات تمسّ أسس القضية الفلسطينية، وتشكل خطراً حقيقيا على مسار استعادة الفلسطينيين جميع حقوقهم المستلبة منذ عام 1948، وهو ما يتطلب تحليل هذه الأجواء ومكامن الخطر فيها على القضية والشعب الفلسطيني، وتحديد موقف منها، ومدى تطابقه أو تناقضه مع الموقف من سلطة رام الله.
لذا وانطلاقا من علاقة السلطة الوطنية مع كل من الاحتلال وداعميه منذ بداياتها، يتم الجزم هنا بأن الخلاف ينطلق من إرادة إسرائيلية وأميركية في دفع السلطة نحو تبن علني وكامل لجميع 
شروط الاحتلال والولايات المتحدة؛ من دون أي مواربة أو التفاف. وعليه، نحن أمام خلاف بشأن توقيت الإعلان عن التنازلات، وعن وضوح الإعلان، فالسلطة قامت، أساسا، على مبدأ التنازل المتواصل، وغير محدود النهاية، لكنه كان في البدء تنازلا مرتبطا بقدرة القيادة الفلسطينية على تسويقه؛ أو تمريره فلسطينياً، بينما ترغب الولايات المتحدة والاحتلال اليوم في ربط حجم التنازلات السلطوية وتسارعها بالإرادة الإسرائيلية فقط؛ ومن دون أي اعتبارات أخرى مهما كانت. وهو ما يقلق السلطة، ويجعلها في حيرة وتخوف كبيريْن، فهي عاجزة عن تحويل خطابات الصمود والمواجهة التي تدّعيها اليوم إلى حقيقة وواقع ملموس من ناحية، وتخشى، من ناحية أخرى، تبعات الشروط المفروضة عليها اليوم، والتي سوف تضعها في مواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني، يستحيل أن تنتصر بها.
وعليه، لا يمكن أن يمرّ طريق إفشال المكائد والمخططات الدولية الرائجة ومواجهتها إعلاميا وسياسيا اليوم عبر دعم هذه السلطة، فهي مستسلمة منذ زمن طويل، وخاضعة بالمطلق لسيطرة الاحتلال وداعميه، ومجرّدة من جميع وسائل المقاومة والمجابهة الاقتصادية والإعلامية والسياسية والعسكرية. كما أنها سلطةٌ استبدادية متفرّدة، لا تكترث بآراء وتوجهات أي من مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والشعبية. خصوصا عندما عبّرت غالبية الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين وخارجها؛ عن الرفض المطلق لمسار السقوط الذي تقود إليه سلطة رام الله، من خلال رفض خيارها السياسي؛ أي رفض مسار الاستسلام تحت عنوان حل الدولتين، والتنسيق الأمني الذي بلغ ذروته، ما بعد تقلد محمود عباس زمام السلطة، ورفض احتكار السلطة والقرار الفلسطيني، وقمع أصوات رافضة عديدة، منتقدة المسار العام وإجراءات السلطة وسياساتها اليومية. بالإضافة إلى إدانة الابتزاز المالي الذي دأبت على استخدامه بشكل دائم، من أجل فرض رؤيتها وقرارها وبرنامجها السياسي على غالبية القوى المعتاشة ماليا على فتات السلطة.
كما لا بد من ملاحظة حجم الأكاذيب الذي تلجأ إليه السلطة، وخصوصا فيما يتعلق بعلاقاتها أو خطابها الداخلي، فمن غير المعقول الاستمرار في إعلان القرارات نفسها بعد كل دورة تشريعية وسياسية، تدعو إليها السلطة وتنظمها، مثل دورة المجلس المركزي أخيرا، والدورتين السابقتين لها، بينما تسير السلطة بالنهج الأمني والسياسي نفسه الذي كان من المفترض إيقافه نهائيا، وفقا للقرارات المعلنة. بمعنى أن بيان المجلس المركزي، الخاص بالدورة ال 29، لا يقدّم أي جديد على الصعيد الخطابي، كما لن يقدّم أي جديد على الصعيدين، الأمني والسياسي؛ بل ستستمر السلطة بأداء جميع التزاماتها تجاه الاحتلال، كما سوف تستمر في إجراءات التنسيق الأمني، ولن تجرؤ على التصدّي لأي اقتحام إسرائيلي لأي من مناطقها التي تدّعي السيطرة عليها، كما لن نشهد أي تغيير في السياسة الاقتصادية والمالية، الخاضعة بالكامل للمزاج الإسرائيلي.
لذلك يمكن القول إن بيانات السلطة ومواقفها التصعيدية في السنوات القليلة الماضية، والتي 
ازدادت في الأشهر الأخيرة؛ تهدف إلى اكتساب شرعيةٍ شعبيةٍ، ولو بحدّها الأدنى، تمكّنها من مواجهة الأخطار التي قد تطيحها، وخصوصا فيما يتعلق بالصراع على تبوّء السلطة، سواء كان صراعا داخل حركة فتح، بين محمود عباس ومحمد دحلان؛ أو بين بعض القوى السياسية الفلسطينية، مثل صراع حركتي حماس وفتح؛ أو أي صراع آخر داخلي، مدعوم إقليما ودوليا؛ محتمل تصاعده في الأيام المقبلة؛ ويعكس صراعا على إدارة عملية الاستسلام والتنازل عن قضية فلسطين وحقوق شعبها العادلة والكاملة. كما لا بد من فضح هزلية هذه الاجتماعات وشكليتها، فالقرار الأول والأخير فيها بيد "فتح"، وربما أبو مازن شخصيا، وهو ما يجعل مقرّرارتها إجراءات سلطوية فارغة من أي مضمون، حيث تعتبر جميع القوى والشخصيات التي شاركت في الاجتماعات دمىً مسرحية يتلاعب بها أبو مازن، أو حركة فتح في أحسن الأحوال، في مقابل تلقيها منحا وهباتٍ ماليةً على كل تمثيليةٍ تشارك فيها؛ في مسرحيات الهروب من الواقع؛ وتحريف الحقائق، وتضليل الشعب الفلسطيني؛ والتي يأمل منظموها الحفاظ على مصالحهم وسلطتهم التابعة والوهمية من خلالها.
بناءً عليه، لا بد من استمرار الضغوط الشعبية الفلسطينية على مجمل القوى السياسية المسؤولة عن حاضرنا، حتى نتمكّن من تحييدها عن القرار الفلسطيني مستقبلاً، كما لا بد من توخّي الحذر، حتى لا يُفسح الطريق أمام أطراف وقوى أكثر استسلاما وتنازلا وتسويفاً. وعليه، نحن غير مطالبين بإنقاذ أيّ من القوى التي عاثت فساداً وخراباً بقضيتنا وحقوقنا العادلة، وإن حاول بعضها التملص من مسؤولياتها التاريخية عما نعيشه اليوم، عبر تبنّي بيانات نارية، أو مقاطعة اجتماعات المركزي، أو إنكار تضحيتها بالشعب والقضية الفلسطينية في سبيل استئثارها بسلطة وهمية في رام الله أو غزة.