وماذا عن التّدخل الإسرائيلي؟

وماذا عن التّدخل الإسرائيلي؟

22 اغسطس 2018
+ الخط -
حذّر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جون بولتون، الأحد الماضي، من وجود أربع دول، قال إنها تثير قلق واشنطن في ما يتعلق بالانتخابات التشريعية المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وذكر بالاسم الصين وإيران وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى روسيا المتهمة بالتدخل في الانتخابات التي أوصلت رئيسه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وبالنسبة لبولتون، فإن هذه الدول الأربع تثير مخاوف فيما يتعلق بالتدّخل في الانتخابات الأميركية، وهو ما اعتبره تهديداً لأمن الولايات المتحدة القومي.
وقبل يوم من تحذير بولتون، كتب رئيسه على "تويتر"، منبهاً إلى الخطر الصيني "جميع هؤلاء الأغبياء الذي يركزون على روسيا، عليهم أن يبدأوا بالنظر في اتجاه آخر، الصين"، في إشارة إلى التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص، روبرت مولر، منذ أكثر من عام، بشأن احتمال تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب نفسه. والهدف من هذه التحذيرات التي صدرت متزامنة، وبتنسيق كبير بين الرئيس الأميركي ومستشاره، لفت الأنظار عن التحقيقات التي يجريها مولر، والتي بدأت خيوطها تقترب من ترامب، بعد أن سقط أحد موظفي حملته الانتخابية في شباكها.
لكن، ما لم يذكره بولتون ورئيسه، أو ما حاولا التستر عليه، تدخل آخر ومن نوع آخر، وبشكل سافر ولا يحتاج إلى تحقيق، إنه التدخل الإسرائيلي، ليس فقط في الانتخابات الأميركية، وإنما 
أيضاً في السياسات الأميركية من خلال نفوذ اللوبي الإسرائيلي القوي داخل الولايات المتحدة. وهو تدخلٌ ليس جديداً، ومعروفٌ إلى درجة أصبح يعتبر جزءاً من آلية صناعة القرار في أكبر قوة اقتصادية عالمية، لكن قليلاً ما نسمع عنه في الإعلام، بما في ذلك الإعلام الأميركي نفسه الذي يتحكّم اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل في كبريات مؤسساته. وقد سبق للمفكّر الأميركي المعارض، نعوم تشومسكي، أن قال إن التدخل الروسي المزعوم في انتخابات عام 2016 الأميركية ليس مجرد نكتة أمام التدخل الإسرائيلي في السياسات الخارجية الأميركية. وأشار إلى قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عام 2015، بالتحدث مباشرة أمام الكونغرس الأميركي، متجاوزاً الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي كان على خلاف معه، ووجّه انتقادات لاذعة لسياسة أميركا الخارجية، وخصوصاً التي تخص الشرق الأوسط وإيران تحديداً، وذلك تحت وابل من التصفيق الحار من المشرّعين الأميركيين! وتساءل تشومسكي: هل فعل بوتين (المتهم بالتدخل) الشيء نفسه؟!
وهذا التدخل الذي تحدث عنه تشومسكي مجرّد غيض من فيض التدخلات الإسرائيلية في الحياة السياسية الأميركية التي لا نسمع ولا نقرأ عنها في الإعلام الأميركي، ولا تفتح فيها تحقيقات، ولا ينبه أي كان إلى خطورتها. وهي تعود إلى بدايات تنامي التأثير الاقتصادي والمالي والإعلامي والبيروقراطي لليهود الأميركيين الموالين لإسرائيل، وتأسيس اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك)، وهي أقوى لوبي في أميركا يمارس نفوذه على مراكز صنع القرار الأميركي الخارجي. وغير خاف على كل المتتبعين للسياسة الداخلية الأميركية مدى قدرة نفوذ هذا اللوبي الذي لا يخفي توجهاته الصهيونية، على توجيه قرارات السياسة الخارجية الأميركية في الاتجاه الذي ينتصر لإسرائيل، ويدعمها مالياً وعسكرياً، ويحمي أمنها، ويحافظ على تفوقها الإستراتيجي على جميع القوى المحيطة بها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لم نسمع أي رئيس أميركي، في أي يوم، يطالب إسرائيل، كما طالب ويطالب الرئيس الحالي دولاً عربية، وبطريقة ابتزازية فجّة، بدفع المال لبلاده مقابل الحماية التي توفرها لأنظمتهم، أو ليست إسرائيل محمية ومَحْظِيّة أميركا في الشرق الأوسط، فلماذا لا يطلب منها ما يطلب من جيرانها العرب، وخصوصاً الخليجيين؟!
في المقابل، ما شهدناه، هو تحول إدارة الرئيس ترامب، والرئيس نفسه وأفراد أسرته، إلى
 مجرّد موظفين يعملون لحساب اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ويأتمرون بأوامره بعد أن أصبحت لهم اليد الطُّولَى داخل البيت الأبيض، لصنع وإملاء القرارات التي تناسب مزاج اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ومنها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وفي ذكرى يوم "النكبة" إمعاناً في الإهانة للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين، والتنكّر لعملية السلام المتعثرة أصلاً، نزولاً عند رغبة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف، والسكوت عن قرار الكنيست الإسرائيلي الذي صادق على قانون عنصري، يقضي بتحويل إسرائيل إلى دولة قومية لليهود فقط، والتنويه، كل مرة، بعمليات القتل العمد، وبدم بارد التي ينفذها جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطينيين عزل..
قوة هذا اللوبي الصهيوني المتنامية الذي يملي على ساكن البيت الأبيض قراراتٍ، تعدّت واشنطن، وأصبح قادراً على التأثير حتى على "حلفائها" في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً السعودية والإمارات، اللتين يوظفهما هذا اللوبي اليوم سنان حربة لوخز عدوه الإستراتيجي في المنطقة: إيران. واستعملهما لتخريب ثورات "الربيع العربي" للحيلولة دون نجاح أي محاولةٍ لدمقرطة الدول العربية، في سعيه الدؤوب والاستراتيجي إلى رسم ملامح شرق أوسط، يتماشى مع تصور النفوذ الصهيوني في العالم.
وإذا كان تدخل هذا اللوبي الإسرائيلي في قرارات البيت الأبيض شأناً أميركياً داخلياً، فإن تأثيره على سياسة أميركا الخارجية التي تهم دولاً وشعوباً عديدة، أصبح ينذر بإشعال توترات في منطقة الشرق الأوسط، ستدفع ثمنها شعوب دولها، ومن واجب صناع الرأي في هذه المنطقة التنبيه إلى هذا التدخل غير المباشر في صناعة مستقبلهم من لوبي صهيوني يتحكّم في دواليب القرار داخل البيت الأبيض.
من حق الأميركيين أن يصمتوا عن تدخل هذا اللوبي في حياتهم السياسية الداخلية، لكن لا شيء يُلزم كل أصحاب الأصوات الحرّة في المنطقة العربية، وفي دول العالم الحرة، بعدم التنديد بهذا التدخل السافر الذي يهدد السلم والأمن العالميين.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).