لضعف المسلمين لا لقوة الآخرين

لضعف المسلمين لا لقوة الآخرين

20 اغسطس 2018
+ الخط -
تفاقمت ظاهرة اليمين المتطرّف، حتى صارت خطراً يهدّد نسيج المجتمعات واستقرارها في الغرب، خصوصاً في أوروبا. وعلى الرغم من أن التطرّف أحمق بما يكفي لبث مشاعر الكراهية من دون تمييز، فتستهدف عنصريته القومية والعرق والدين.. تتوارى بعض محاور عنصريته لحساب أخرى مرحلياً، ثم تظهر تلك المتوارية لاحقاً، ما إن تسنح لها الفرصة.
لذا فإن اتهام المسلمين والعرب بالتطرّف والإرهاب ليس سوى فزّاعة ابتزاز وتصدير لمشكلة داخلية لدى الغرب. صحيحٌ أن المسلمين هم الأكثر عرضةً للاستهداف والاضطهاد، لكن الآخرين، أياً كانت ديانتهم أو أصولهم العرقية أو اتجاهاتهم الفكرية أو هوياتهم القومية والوطنية، مُدرجون أيضاً على لائحة أهداف اليمين الغربي المتطرّف. فقط كل يأخذ دوره، حسب قوته وقدراته الوقائية.
لذا، دائماً يكون ضحايا العنصرية والاضطهاد والتطرّف اليميني من المسلمين بالذات، لأنهم الرقم الأضعف في المعادلة. لا يملكون إعلاماً قوياً، ولا استثمارات حقيقية تحكم في مفاصل الاقتصادات الغربية، وليست لديهم ثقة في النفس، ولا اعتداد بدينهم وغيرة حقيقية عليه. ودائماً يقفون موقف المدافع الضعيف الذي يقرّ مسبقاً بذنبه، بمنطق "يكاد المُريب يقول خذوني". وردود الفعل الدفاعية من أولئك المتهمين دائماً بالتطرّف، مسلمين كانوا أو عرباً، تُفسّر كما لو كانت تؤكد ذلك الاتهام ولا تنفيه!. فمجرد الدفاع عن النفس يفترض أن ثمّة شبهةً أو ما يخشاه هؤلاء. لذا يدافعون عن أنفسهم ومجتمعاتهم بل ودينهم، لدرء تلك الاتهامات. ويزيد الأمر سوءاً ما يحدث أحياناً من حالات عنفٍ تقع بالفعل بواسطة عرب أو مسلمين، إذ يجري استغلالها لتأكيد تلك الاتهامات الجائرة، وإلصاق نقيصة التطرّف والعنف والإرهاب بكل ما هو عربي أو مسلم.. وصولاً إلى الدين الإسلامي ذاته. على الرغم من أن مثل تلك الحالات وأكثر يصدر عن جنسيات أو معتنقي أديان أخرى غير الإسلام.
يقوم الإسرائيليون بتلك الخدعة مع الفلسطينيين، فيمارسون بحقّهم أبشع أنواع القمع والاضطهاد والعنصرية والعبودية. ويحرمون الأطفال والنساء والشيوخ أدنى حقوق الإنسان في الحياة والطعام والعلاج، فضلاً عن العمل والتعليم والخدمات الأساسية. ومع أي محاولةٍ لإبداء الرفض، أو حتى الاستغاثة بالعالم من ذلك النمط الاستعبادي، يصبح الفلسطينيون هم الإرهابيين والمتطرّفين. وتصرخ إسرائيل كي يوفر العالم لها الأمن والأمان من هؤلاء القتلة.
في سويسرا، تم رفض منح الجنسية لزوجين مسلميْن، لأن كلا منهما يرفض المصافحة باليد للجنس الآخر من غير المحارم. وبعيداً من صحة أو خطأ قناعتهما بأن الإسلام يأمر بذلك، ما قامت به السلطات السويسرية ليس سوى إجراء تعسّفي بسبب قناعات دينية. وفي فرنسا والدنمارك والنرويج وبلجيكا ودول أخرى، تقرّر حظر النقاب في الأماكن العامة، على الرغم من أنه، في قناعة اللاتي ترتدينه، يدخل ضمن تعاليم الدين.
وعلى الرغم من أن الأصل في تلك الدول هو حظر الرموز الدينية في الأماكن العامة، وصدرت بالفعل تشريعاتٌ تقضي بذلك، إلا أن الحظر لا يسري سوى على الرموز الدينية الإسلامية. مثلاً، لا يتم منع ارتداء القلنسوة اليهودية أو الصليب المسيحي في الأماكن العامة، على الرغم من أنهما بالفعل مجرد رموز مظهرية، ولا أصل دينياً لها.
وما يؤكد أن المشكلة ليست في المسلمين، ولا في الدين الإسلامي، انتشار ظاهرة التطرّف داخل المجال العام في الغرب، وتنوّعه بين أشكال فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية، وليست دينية فقط، فاليمين المتطرّف يكره الإسلام والمسلمين، بينما يتجنّب معاداة اليهود خشية منهم، لا حباً فيهم، بل إن التطرّف اليميني في أوروبا، وحالياً في الولايات المتحدة، صار يعادي ويستهدف كل تيار أو توجه أو كيان لا يتبنّى الأفكار الراديكالية الانعزالية، ولا ينحاز للهويات الضيقة.
التطرّف يعادي كل الاتجاهات والقوميات والأعراق والجنسيات بدرجاتٍ متفاوتة، لكنه في النهاية عدو للجميع، وعنصري بامتياز. ووضع الإسلام والمسلمين في صدارة قائمة الاضطهاد والعنصرية يرجع بالأساس إلى ضعفهم، قبل أن يكون نفاقاً وخشيةً من قوة غيرهم.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.